
في كلمات قليلة
تشرح الكاتبة فيوليت دورسو مفهومها الخاص للصيف، باعتباره وقتاً للتوقف والسماح للمشاعر بالظهور. تستعرض رؤيتها التي تجمع بين تفاصيل الحياة اليومية في نيويورك والتأثر العميق بقصة إنسانية من غزة عبر فيلم وثائقي.
تشارك الكاتبة الفرنسية فيوليت دورسو، مؤلفة كتاب «حتى صوت الليل تغير»، قراءها تأملاتها الشخصية حول فصلها المفضل – الصيف. بالنسبة لها، الصيف ليس مجرد موسم، بل هو لحظة مميزة تسمح للحياة بأن تتباطأ، لنشعر بها حقاً بكل تفاصيلها.
في نيويورك، كما تقول، وصول الصيف يُعرف من خلال صوت الباتشاتا القادم من زاوية الشارع، من بائع عصير البطيخ أمام حديقة الحي الصيني، من الشعور بالخروج وشعرها مبلل. ولكن قبل كل شيء، يأتي الصيف مع بداية موسم البيسبول وتصفيات الدوري الأمريكي للمحترفين في كرة السلة (NBA playoffs). هذا العام، كانت إنجازات فريقي Mets وKnicks استثنائية بشكل خاص. لم يصل فريق Knicks إلى هذا المستوى في بطولة كرة السلة منذ عام ولادتها، وهذا يجعلها تشعر بالاهتمام الشديد.
تصف أجواء الأمسيات الصيفية حيث يجتمع الأصدقاء في المقاهي لمشاهدة المباريات، حيث كل تمريرة حاسمة والضغط يبلغ ذروته. إنها اللحظات التي نحبس فيها أنفاسنا على أمل فوز فريق Knicks، وعلى أمل أن نجد من نحب. الصيف هو هذا «الوقت الإضافي» بالتحديد، حيث يمكن للسحر أن يحدث في أي لحظة.
لكن الصيف بالنسبة لدورسو ليس مجرد شغف رياضي أو أفراح بسيطة. إنه وقت يسمح لنا بأن نتأخر قليلاً: البقاء لوقت أطول على مائدة الإفطار، قضاء خمس عشرة ثانية إضافية في الماء، أو ترك الدجاج يُشوى أكثر قليلاً لأن الشخص الذي نحبه يحكي قصة. إنه وقت السماح لأنفسنا بأن نُحرّك مشاعرنا.
على عكس الشتاء البارد الذي يجبرنا على العودة بسرعة إلى المنزل، أو الربيع المليء بالخطط التي تجعلنا مشغولين، يأتي الصيف ليكون وقتاً للمشاعر العميقة. وقتاً لإطالة كل شيء قليلاً، لقراءة كل صفحة من الجريدة المتروكة على الأريكة. وقتاً للسماح للمشاعر بأن تجتاحنا. تتذكر الشعور الذي غمرها هذا الصباح عند رؤية صورة ابتسامة فاطمة حسونة. فاطمة، التي كان أحباؤها ينادونها «فاتم»، هي موضوع الفيلم الوثائقي لصديقتها سيبيده فارسي، والذي عُرض مؤخراً في كان. فاطمة كانت مصورة وشاعرة، وتوفيت في غارة على حيّها في غزة في نفس عمر الكاتبة.
تتأمل دورسو في عنوان الفيلم: «ضع روحك على كفك وامشِ». إنه فيلم عن مكانٍ يدوم فيه الصيف طوال العام، ولكنه لا يمنح أبداً للناس الذين يسكنونه. عن امرأتين وجدتا الوقت للتحدث. سيبيده التي أوقفت حياتها لتسأل: «كيف تصمدون تحت القصف؟ كيف تصمدون دقيقة أخرى؟» وفاتم التي وجدت الوقت للتصوير والكتابة والتحدث مع سيبيده بينما كل شيء ينهار حولهما وحول من تحب. محادثاتهما كانت بمثابة «وقت إضافي» مأخوذ من الحياة، يمدد ذكرى فاتم وأحبائها. هذه الضحكة التي تراها في لقطة شاشة لمكالمة فيس تايم مطبوعة في الجريدة، تظل معلقة في الذهن. كان من المفترض أن تأتي فاتم لتقديم الفيلم في نيويورك، لكن الوقت لم يسعفها.
الصيف، في رؤية فيوليت دورسو، هو وقت لا نكتفي فيه بالاستمتاع بلحظات السعادة الخفيفة، بل نجد أيضاً مساحة للمشاعر الإنسانية العميقة، للتعاطف والتأمل في الحياة والموت، والقدرة على إيجاد لحظات من «الوقت الإضافي» حتى في أصعب الظروف.