
في كلمات قليلة
الكوميدي والممثل الفرنسي رضوان بوغرا يتناول قضايا الهوية والانتماء في فيلمه الجديد "على طريق أبي". الفيلم يحكي قصة رجل من أصول مغاربية في فرنسا ورحلته العاطفية إلى وطنه الأم، مسلطاً الضوء على تحديات الاندماج والروابط الأسرية.
يستعد الكوميدي والممثل الفرنسي الشهير رضوان بوغرا، المعروف بأنه أول فنان كوميدي يحقق إنجاز ملء ملعب فيلودروم بمرسيليا، لإصدار فيلمه الجديد "على طريق أبي" (Sur la route de papa) اعتباراً من 18 يونيو 2025. الفيلم من إخراج نبيل آيتكاوالي وأوليفييه داكور.
بوغرا، الذي ينحدر من أبوين جزائريين، يتميز بأسلوبه الجريء على المسرح وقدرته على التواصل مع الجمهور، ولكنه يؤكد دائماً على قيمة الاحترام التي تعلمها من والديه ومن المدرسة الكاثوليكية التي ارتادها، حيث تعلم الكثير عن القبول واحترام الآخرين. هذا الاختيار الدراسي يعكس انفتاح عائلته المسلمة وفخرها بأن تكون فرنسية وقبل كل شيء مرسيليزية.
في فيلم "على طريق أبي"، يجسد رضوان بوغرا شخصية كمال، وهو رجل يعيش صراعاً بين ثقافتين: فرنسا والمغرب. بعد زواجه من صوفي، الكاتبة، يبتعد كمال عن عائلته. ولكن بعد اختفاء والده، يجد نفسه مضطراً للانطلاق في رحلة طويلة إلى "البلاد" (مصطلح شائع يشير إلى الوطن الأم في شمال أفريقيا)، وهي رحلة تعيد إحياء الذكريات، الحلوة والمرة.
الفيلم يحمل رمزية عميقة حول تقوية الروابط الأسرية والعودة إلى الجذور والأصول. يوضح بوغرا أن شخصية كمال حاولت قطع هذا الارتباط بالبلاد، حتى أن أبناءه لا يعرفون عنها شيئاً لأنهم نشأوا في فرنسا. ولكن عبر أحداث الفيلم، نكتشف عودته الوجدانية إلى العائلة والأصول.
يرى بوغرا أن قصة الفيلم عالمية وتلامس الجميع، وليس فقط الأشخاص من أصول جزائرية، مغربية، تونسية، إسبانية، إيطالية، برتغالية أو بلجيكية. "على طريق أبي" هو أيضاً "على طريق الإجازات". يتذكر الجميع رحلات الطفولة مع الوالدين في سيارة مكتظة، مليئة بالحقائب، والتساؤلات عن وجهة الرحلة. الفيلم يوضح هذه المشاعر.
يتطرق المخرجان أيضاً إلى مواضيع حساسة مثل الاندماج والهوية. في مشهد مؤثر، تقول الأم لابنها: "عشنا دائماً في هذا البلد، وكنا دائماً فرنسيين"، فيرد الابن: "لكني لم أشعر يوماً أنني فرنسي بالكامل، وفي البلاد لم أشعر أنني جزائري".
هذا يقود إلى الفكرة الأساسية: "أنت دائماً غريب بالنسبة لشخص ما". إذا كنت من أصل معين، فأنت لست من هنا. وعندما تعود إلى بلدك الأصلي، يقولون لك إنك فرنسي. هناك مشكلة في الهوية والمكانة، لأن الجميع يجعلك تشعر بأنك غريب، وهذا ما نحاول إبرازه والتحدث عنه في الفيلم.
بالنسبة لرضوان شخصياً، نشأته في مرسيليا، المدينة المتعددة الثقافات حيث يتعايش الجميع ويتحدون حول كرة القدم، جعلته لا يشعر بالغربة كثيراً في شبابه. لكنه يقول: "عندما تصل إلى العاصمة (باريس)، لا تجعلك تشعر أنك غريب، بل تجعلك تشعر أنك مرسيلي!". بمعنى آخر، لا تزال هناك فروقات تجعلك تشعر بأنك مختلف.
مسيرته الفنية لم تكن سهلة. لقد مر بصعوبات كبيرة قبل أن يحقق نقطة تحول بمساعدة الفنان غراند كور مالاد (Grand Corps Malade)، الذي وثق به وأشركه في فيلم "الحياة المدرسية" (La vie scolaire)، بل وأخذه معه في جولاته لتقديم عروض تمهيدية. يعتبره بوغرا مرشده وأخاه الأكبر.
من والديه، ورغم كل الصعاب التي واجهوها، تعلم الفكاهة والضحك ولم يرث منهم القلق أبداً. كانوا يخفون عنه وعن إخوته حجم المصاعب، وهذا ما يحاول نقله لأبنائه اليوم، حتى لو لم يكن لديهم ما يقلقون بشأنه. فهو يرى أن القلق يمكن أن ينتقل من الآباء إلى الأبناء.
تجربته في الأداء أمام جمهور ليس جمهوره الخاص، وفي أماكن غير مخصصة للكوميديا كقاعات الحفلات والمطاعم والحانات، أكسبته قوة كبيرة وعلمته التكيف. كان عليه أن يضحك جمهوراً متنوعاً، سواء كانوا كبار السن أو الشباب. "عندما بدأت مسيرتي، لم يكن لدي خيار كبير، وجدت نفسي أقدم عروضي في قاعات الاحتفالات، في المطاعم، في الحانات، في أماكن غير مناسبة للكوميديا". لكنه تكيف، لأنه اعتبر وجود جمهور وميكروفون فرصة. هذا التحدي شكل مسيرته.
هل هو فخور بمساره وبنجاحه في ملء ملعب فيلودروم؟ يجيب مازحاً: "كما قال تييري رولان، يمكنني أن أموت مطمئناً!"، ويضيف: "في وقت متأخر قدر الإمكان، لكن مطمئناً".