مؤسسات الحمامات في باريس تواجه أزمات متتالية: ارتفاع التكاليف وتحديات كورونا وجدري القرود

مؤسسات الحمامات في باريس تواجه أزمات متتالية: ارتفاع التكاليف وتحديات كورونا وجدري القرود

في كلمات قليلة

تصارع مؤسسات الحمامات التقليدية في باريس من أجل البقاء بسبب ارتفاع غير مسبوق في تكاليف الطاقة والتضخم، بالإضافة إلى تراجع أعداد الزوار نتيجة لجائحة كوفيد-19 وتفشي جدري القرود. هذه الأماكن، التي تلعب دوراً في الوقاية الصحية وتوفير مساحة آمنة، تضطر لرفع أسعارها واتخاذ تدابير تقشفية.


تضم باريس حوالي عشرين منشأة حمامات تقليدية، وتوجد منشأة واحدة على الأقل، وغالباً أكثر، في معظم المدن الفرنسية المتوسطة الحجم. هذه الأماكن، التي كانت تقليدياً مساحات للتواصل والاسترخاء لجمهور معين من الرجال، تكافح اليوم للحفاظ على استمراريتها بعد سلسلة من الأزمات التي أضعفتها.

يشير المديرون إلى دور هذه الأماكن كمركز مهم للتوعية والوقاية الصحية. فخلال فترات الإغلاق، شعر العديد من الرواد بالعزلة، مما قد يدفعهم إلى ممارسات جنسية محفوفة بالمخاطر أو إدمانية. توفر هذه الحمامات بيئة يمكن فيها الوصول إلى معلومات وإرشادات صحية.

خلف واجهات هذه المباني التي تبدو عادية، تفتح الأبواب على عالم يجمع أفراداً من خلفيات متنوعة: شباب وكبار السن، أصحاب مهن مختلفة، سياح وسكان محليون. تحتوي هذه الأماكن على مرافق مثل الساونا والحمام التركي والجاكوزي والمقاهي وغرف الفيديو، بالإضافة إلى غرف خاصة وغرف لتغيير الملابس. تتوفر فيها أيضاً وسائل الوقاية مثل الواقيات الذكرية ومواد التشحيم بشكل مجاني.

يتم الدخول بدفع رسوم تتراوح حوالي عشرين يورو، مع أسعار أقل للفئات العمرية الأصغر أو في أوقات معينة. يحصل الزائر على منشفة ويمكنه قضاء عدة ساعات أو يوماً كاملاً في المكان.

على الرغم من أن بعض هذه المؤسسات تعمل منذ عقود ومرت بأوقات صعبة، بما في ذلك ذروة وباء الإيدز، إلا أن السنوات الأخيرة كانت الأصعب. بعد فترة ازدهار في التسعينيات والعقد الأول من الألفية، بدأ النشاط يتراجع قليلاً حوالي عام 2008. ثم تتابعت الأزمات: أزمة "السترات الصفراء" التي أدت إلى هروب بعض العملاء، ثم جائحة كوفيد-19 التي فرضت إغلاقاً لعدة أشهر.

منذ ذلك الحين، لم تستعد العديد من المؤسسات كامل زبائنها. فقد توفي عدد من العملاء المنتظمين بسبب الفيروس، وبقي كثيرون آخرون حذرين خوفاً من العدوى في أماكن مصممة للخصوصية والتقارب. كما أثرت القيود المتعلقة باللقاحات على الحضور. ثم جاء تفشي جدري القرود، مما أدى إلى ابتعاد عدد آخر من العملاء.

قبل هذه "الاضطرابات الكبرى"، كان عدد الزوار اليومي يصل إلى 180-200 شخص، لكنه الآن يتراوح بين 140 و180 في الشتاء، وأقل في الصيف.

التحدي الأكبر حالياً هو ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم العام. بالنسبة لمنشآت تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء وتعمل 365 يوماً في السنة، فإن فواتير الطاقة تضاعفت. ما كان يكلف حوالي 2500 يورو شهرياً (بدون ضرائب) قبل عام، أصبح اليوم حوالي 3000 يورو أو أكثر. ورغم وجود مساعدات حكومية خلال كوفيد، يتوجب الآن تسديدها.

مع التضخم، اضطرت المؤسسات إلى زيادة رواتب الموظفين قليلاً، مما استلزم رفع الأسعار، في وقت تراجعت فيه القوة الشرائية للعملاء، مما يقلل رغبتهم في الإنفاق على الترفيه. حتى الزيادة الطفيفة في سعر الدخول بيورو واحد يمكن أن تؤدي إلى فقدان بعض العملاء.

يضطر المديرون إلى اتخاذ إجراءات للترشيد في استهلاك الطاقة، مثل إطفاء الأنوار في المناطق غير المستخدمة وتركيب أجهزة استشعار الحركة. كما تم تقليل عدد المناشف المجانية المتاحة. وتم تخفيض درجة حرارة المسابح قليلاً. ومن المرجح أن يتم زيادة سعر الدخول بمقدار يورو واحد في الأسابيع القادمة لتغطية التكاليف المتزايدة.

بصرف النظر عن المشاكل الاقتصادية، واجهت المؤسسات منافسة من تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت. ورغم فقدان بعض العملاء في البداية، عاد كثيرون بعد أن وجدوا أن التطبيقات غالباً ما تكون مضيعة للوقت وتفتقر إلى الصدق، بينما في هذه الأماكن "لا يمكن الغش في الصورة". الحاجة إلى التفاعل الجسدي لا تزال قائمة.

كما تتكيف هذه المؤسسات مع التغيرات الاجتماعية، مثل التوجه نحو مساحات تجمع أنواعاً مختلفة من الناس. ومع ذلك، لا يزال هناك طلب على الأماكن المخصصة للتواصل بين الرجال.

مشكلة أخرى يواجهونها هي "الكمسكس" (chemsex)، وهي ممارسة استخدام المواد المخدرة في سياق اللقاءات الجنسية. خلال فترات الإغلاق، اتجه البعض إلى الحفلات الخاصة التي تشمل هذه الممارسات. الآن، يتعامل المديرون مع عملاء يعانون من مشاكل إدمان تفاقمت بسبب العزلة، مما يمثل تحدياً إضافياً.

في هذا السياق، تلعب هذه المؤسسات دوراً حاسماً في الوقاية الصحية. لقد كانت مراكز مهمة للتوعية خلال وباء الإيدز ولا تزال كذلك اليوم. توفر بعض الحمامات اختبارات مجانية وسرية للأمراض المنقولة جنسياً بالتعاون مع جمعيات ومستشفيات. وهذا يسمح بالوصول إلى أشخاص قد لا يقومون بهذا الاختبار في مكان آخر وزيادة وعيهم بالسلوكيات المسؤولة.

علاوة على ذلك، في ظل تزايد الأعمال المعادية للمثلية بعد بعض التغييرات القانونية، توفر هذه المؤسسات مساحة آمنة حيث يمكن للأفراد أن يعيشوا حياتهم الجنسية بحرية دون خوف من التمييز أو العنف. يؤكد المديرون على دورهم في توفير بيئة آمنة ومحمية للجميع.

على الرغم من كل الصعوبات، يظل أصحاب هذه المؤسسات عازمين على الصمود وتجاوز الأزمة، على الرغم من أن التخطيط للمستقبل أصبح محفوفاً بعدم اليقين.

نبذة عن المؤلف

سيرجي - محلل اقتصادي، يحلل الأسواق المالية في فرنسا والاتجاهات الاقتصادية العالمية. تساعد مقالاته القراء على فهم العمليات الاقتصادية المعقدة.