نقاش ساخن في فرنسا حول المساعدة على الموت: هل هو تقدم أم تراجع أخلاقي؟

نقاش ساخن في فرنسا حول المساعدة على الموت: هل هو تقدم أم تراجع أخلاقي؟

في كلمات قليلة

ينتقد خبراء في فرنسا بشدة مشروع القانون المقترح بشأن المساعدة على الموت، مؤكدين أنه يدمر مبادئ أخلاقيات الطب ويمثل استسلاماً مجتمعياً أمام تعقيد الموت. ويقولون إنه بدلاً من ذلك، ينبغي تعزيز التضامن والرعاية التلطيفية.


يثير اقتراح قانون جديد في فرنسا بخصوص "المساعدة على الموت" (الذي يُعرف أيضاً باسم القتل الرحيم أو الموت بمساعدة طبية) جدلاً واسعاً بين الخبراء. يؤكد إيمانويل هيرش، أستاذ أخلاقيات الطب، ولوران فريمون، أستاذ القانون الدستوري، وهما مؤسسا مجموعة "الديمقراطية والأخلاق والتضامن"، عن قلقهما العميق من قانون سيعيد تشكيل أسس الرعاية الطبية بشكل جذري.

يرى الخبراء أن مشروع القانون الحالي لا يقتصر على تكييف القانون مع واقع نهاية الحياة، بل يهدف إلى إعادة تعريف أهداف العناية الطبية. هذا التغيير يُقدّم باسم الحرية الفردية، ولكنه يتجاوز مجرد الاستقلالية الشخصية؛ فهو يغير مسؤوليات الطبيب، ويعيد تحديد إطار الرعاية الصحية، ويتحدى تصورنا ذاته عن أخلاقيات الطب.

منذ قوانين عامي 2005 و 2016، كان التركيز في فرنسا على احترام إرادة المريض وتجنب العناد غير المعقول في العلاج، مع توفير مرافقة كريمة حتى الموت. استندت هذه النصوص إلى توازن دقيق: الاعتراف بإرادة المريض مع التأكيد على الدور الحمائي للطبيب. كان التهدئة العميقة والمستمرة، في ظل ظروف معينة، دليلاً على الرغبة في الاستجابة للألم دون قطع الرابط الأساسي للرعاية.

لكن الاقتراح الحالي يقدم تحولاً كبيراً. فهو ينشئ، في ظروف معينة، حقاً في طلب مساعدة طبية لإنهاء الحياة. هذا يعني أن الطب لم يعد مقتصراً على التخفيف أو المرافقة، بل يمكنه الاستجابة لطلب الموت بفعل متعمد ومعترف به ومُنظّم. لا يتعلق الأمر هنا بتطور في الممارسة، بل بقطع مع أسسها.

يثير هذا التحول عدة تساؤلات أخلاقية كبرى. أولاً، ما هو هدف الرعاية الصحية؟ منذ أبقراط، بُني الطب على رفض الإضرار والحفاظ على الحياة، حتى عندما تقترب من نهايتها. إذا كرّس القانون إمكانية قيام الطبيب بالتسبب في الموت بشروط معينة، يصبح من الضروري إعادة تعريف دور الطب: هل هو المرافقة، الحماية، أم التدخل لإنهاء الحياة بناءً على طلب؟

ثانياً، مسألة المقارنات: هل يمكن مساواة الموت المُسبّب بالموت الطبيعي، كما ينص النص؟ هذا يتطلب إعادة تعريف الفئات نفسها التي تُنظم علاقتنا القانونية والاجتماعية والطبية بالموت. مثل هذا القرار يدعو إلى التفكير في الكلمات التي نستخدمها، أبعادها الرمزية وتأثيرها على نظرة المجتمع للحظات الأخيرة من الوجود.

نقطة فاصلة أخرى: التوقيت وشروط القرار. ينص المشروع على مدة أقصاها خمسة عشر يوماً للنظر في طلب شفهي، دون موافقة منهجية من جهة خارجية أو لجوء إلزامي لاستشارة طبيب نفسي. لكن قرار إنهاء الحياة هو فعل لا رجعة فيه، يتطلب إدراكاً مستنيراً، واستقراراً نفسياً، وظروفاً تسمح بحرية اختيار حقيقية. كيف نضمن أن الطلب يتم ضمن فترة زمنية تحترم التعقيد البشري، وليس في ظل الاستعجال أو العزلة؟

وأخيراً، تتحدى هذه التحولات عقد الثقة بين المجتمع ومقدمي الرعاية. تُمارس الرعاية الطبية في حالات ضعف قصوى: الألم، الخوف، فقدان الاستقلالية. وفي هذه الحالات بالتحديد، توفر أخلاقيات الطب إطاراً حامياً. إن إدخال "حق الموت" في الممارسة السريرية يعني إعادة التفكير في هذا الإطار. شرط الضمير، على الرغم من إدراجه في القانون، لا يكفي لتبديد التوترات الأخلاقية التي سيواجهها المهنيون.

ما يكشفه النقاش الحالي ليس صراعاً في القيم بقدر ما هو حاجة ملحة لإعادة التفكير، دون تسرع، في التوازنات التي سمحت لديمقراطيتنا ببناء طب مهتم بالإنسان، حتى في اللحظات الأخيرة من الحياة.

الهدف ليس رفض مبدأ المساعدة على الموت بشكل كلي، بل طرح أسئلة أساسية: ما هو دور الرعاية؟ كيف نحافظ على الاستقلالية دون إضعاف الأشخاص الأكثر هشاشة؟ والأهم من ذلك، كيف نتجنب أن يصبح الموت استجابة اجتماعية لمحنة المرض أو الوحدة، بينما يمكن للتضامن والحضور والمرافقة أن تكون لها معنى؟ أخلاقيات الطب ليست موقفاً جامداً، بل حواراً مستمراً بين المبادئ، الحالات الملموسة، والمسؤولية الجماعية. ما يكشفه النقاش الحالي، ليس صراعاً في القيم بقدر ما هو حاجة ملحة لإعادة التفكير، دون تسرع، في التوازنات التي سمحت لديمقراطيتنا ببناء طب مهتم بالإنسان، حتى في اللحظات الأخيرة من الحياة.

ما يكشفه هذا القانون، ليس تقدماً أخلاقياً، بل استسلاماً: مجتمع سئم من تحمل تعقيد الإنسان في مواجهة الموت يفوض للقانون سلطة لم يستطع ممارستها عبر الرعاية والتضامن والاستماع. باسم الاستقلالية، نخاطر بعزل المزيد من أولئك الذين يحتاجون إلى الدعم. الرعاية الحقيقية لا تقتصر على الاستجابة لطلب. إنها تتطلب التزاماً، تساؤلاً، وأحياناً مقاومة – احتراماً للشخص تحديداً. على هذا المستوى تتجلى أخلاقيات الطب. نسيان ذلك يعني، على المدى الطويل، فقدان ما يجعل الرعاية شيئاً أكبر من مجرد خدمة، والطب شيئاً أكبر من مجرد مهنة.

في عالم يقدّر السيطرة، بما في ذلك السيطرة على الموت، حان الوقت للتذكير بأن كرامة الإنسان لا تُقاس بالقدرة على اتخاذ القرار بمفرده، بل بجودة العلاقة التي تربطنا، حتى اللحظة الأخيرة.

This is advertising content. Please refer to your Horoscope for daily predictions.

نبذة عن المؤلف

يوري - صحفي متخصص في قضايا الأمن والدفاع في فرنسا. تتميز مواده بالتحليل العميق للوضع العسكري والسياسي والقرارات الاستراتيجية.