
في كلمات قليلة
فيلم وثائقي جديد على قناة فرنسا 5 يقدم نظرة شاملة على حياة وأفكار الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت، متناولاً مفهومها عن "ابتذال الشر" وتحليلها للأنظمة الشمولية، بالإضافة إلى جوانب شخصية من حياتها.
يُقدم فيلم وثائقي جديد عُرض على قناة France 5 الفرنسية نظرة مختلفة وشاملة على أفكار وحياة الفيلسوفة الألمانية الشهيرة حنة أرندت. رغم أنها غالبًا ما تُعرف بمفهومها المثير للجدل عن "ابتذال الشر"، إلا أن أرندت، التي مرت حياتها بمغامرات فكرية وعانت من النفي والتشرد، تركت إرثًا فلسفيًا أعمق وأوسع بكثير.
بمناسبة ذكرى مرور خمسين عاماً على رحيلها (1906-1975)، أعادت قناة France 5 الفرنسية بث فيلم وثائقي بعنوان "حنة أرندت: نظرة أخرى على فكرها"، ومدته 55 دقيقة، من إخراج لوران بيرجير وإنتاج عام 2023. الفيلم يستعرض جوانب متنوعة من فكر أرندت وقصة حياتها، وقد تم بثه مؤخرًا، وكان من بين مواعيد عرضه يوم الجمعة 6 يونيو الساعة 22:50 على القناة.
نشأت حنة في عائلة يهودية في بروسيا، وأظهرت ذكاءً مبكرًا جدًا وشغفًا بالقراءة والفلسفة، حيث تعمقت في دراسة اللغات الكلاسيكية وفلسفة كانط منذ صغرها. كانت مدفوعة برغبة عميقة في الفهم والتفكير، قائلةً: "إما أن أدرس الفلسفة، وإما أغرق". درست في جامعة ماربورغ على يد الفيلسوف مارتن هايدغر، والذي ارتبطت به بعلاقة شخصية معقدة بسبب موقفه الغامض تجاه النظام النازي. أكملت دراساتها العليا تحت إشراف كارل ياسبرز في هايدلبرغ، مركزةً على مفهوم الحب عند القديس أوغسطين.
لكن صعود النازية في ألمانيا قطع مسارها الأكاديمي وأجبرها على الهجرة والمنفى، مثل الكثيرين من المثقفين اليهود الألمان. بعد احتجازها لفترة قصيرة في معسكر اعتقال في فرنسا، تمكنت من السفر إلى نيويورك عام 1941، حاملةً معها 20 دولارًا أمريكيًا فقط، ولكن بعقل مليء بالأفكار العظيمة.
في الولايات المتحدة، طورت حنة أرندت نظريتها في العمل السياسي. كان عملها الرئيسي والأكثر تأثيراً، "أصول الشمولية" (The Origins of Totalitarianism)، الذي نُشر عام 1951، تحليلًا عميقًا ومؤسسًا لانهيار السياسة والحريات في أوروبا وصعود الأنظمة الشمولية. هذا الكتاب أثار جدلاً واسعًا، خاصة مقارناتها بين النازية والستالينية، مما جعل بعض المثقفين اليساريين ينظرون إليها بشك وارتياب.
وبعد عشر سنوات، تجدد الجدل بقوة بعد نشر كتابها "آيخمان في القدس" (Eichmann in Jerusalem)، الذي غطت فيه محاكمة أدولف آيخمان، أحد مجرمي الحرب النازيين. كان محور الخلاف الرئيسي هذه المرة هو عبارة "ابتذال الشر" (banality of evil)، والتي ظهرت مرة واحدة فقط في النسخة الأولى من الكتاب. اتهمها البعض بالتقليل من فظاعة الهولوكوست ومعاناة الضحايا اليهود، واستخدام نبرة ساخرة أو غير متعاطفة.
يقدم الفيلم الوثائقي آراء الفيلسوفين بيير بوريتز وميريام ريفولت دالون لفهم أعمق لأفكار أرندت المثيرة للجدل والردود النقدية التي واجهتها من معاصريها، وخاصة من المقربين منها والجالية اليهودية.
بالإضافة إلى مناقشة هذه الأفكار الجادة حول طبيعة الشمولية وسطحية الشر، يضيف الفيلم لمحات إنسانية وشخصية عن حنة أرندت، تكشف جوانب أخرى من شخصيتها. يذكر أنها كانت تدخن بشراهة، وتحب استضافة الأصدقاء في منزلها، والغناء والرقص، وأحيانًا كانت تسقط أكواب الكامباري أثناء النقاشات الحيوية. كانت معلمة ذات أسلوب مسرحي ومميز، حتى أن طلابها قارنوها بالممثلة الفرنسية الشهيرة سارة برنارد. لقد استبدلت نار المسرح بوهج فكرها العميق والحيوي، الذي لا يزال مؤثراً وملائماً حتى يومنا هذا لفهم العالم من حولنا.