القلق الاقتصادي في فرنسا: الديون العامة تقوّض الثقة وتدفع المواطنين نحو المدخرات والملكية

القلق الاقتصادي في فرنسا: الديون العامة تقوّض الثقة وتدفع المواطنين نحو المدخرات والملكية

في كلمات قليلة

يواجه المواطنون الفرنسيون قلقاً متزايداً بشأن الديون العامة والوضع الاقتصادي لبلادهم. يدفعهم هذا القلق إلى الاعتماد بشكل أكبر على المدخرات والممتلكات الشخصية كشبكة أمان أخيرة، رغم الضرائب المرتفعة على الميراث. يحذر الخبراء من أن عدم اليقين المالي قد يؤدي إلى مجتمع تسوده عدم الثقة.


يشير الخبراء إلى أن حالة عدم اليقين المالي المرتبطة بالديون الحكومية المتزايدة قد تُحدث تغييرات عميقة في المجتمع، مولّدةً عدم ثقة المواطنين في المستقبل والمؤسسات الحكومية.

يتحدد سلوك الفاعلين الاقتصاديين إلى حد كبير بتوقعاتهم. فالتقديرات المسبقة هي التي تبني استعدادنا للاستثمار أو عدمه، الاستهلاك أو عدمه، والادخار بدرجة أكبر أو أقل. علاقتنا بالمال توقّع تصورنا للمستقبل، وتؤكد على حالة معنوياتنا، وتخبرنا الكثير عن مخاوفنا وتوقعاتنا. إنها حميمة وجماعية في آن واحد، تمزج بين علم النفس الفردي والذاكرة الاجتماعية، وردود الفعل الأسرية والأطر المؤسسية.

أظهرت دراسة حديثة نشرها مرصد سيتليم في بداية العام أن الفرنسيين يشعرون بقلق عميق إزاء ميزانية البلاد. التقييم الذي يمنحونه للوضع في فرنسا (4.6 من 10) أقل بكثير من المتوسط العام (5.3) الذي يحكم به مواطنو الدول الأوروبية الأخرى على سياقهم الوطني. من بين أسباب هذا الشعور بالاكتئاب في فرنسا، عدم الاستقرار السياسي والسياق الدولي، بالإضافة إلى قلق يولده الدين العام الذي يبدو أن الوعي به يتزايد في اهتمامات المواطنين.

يؤكد استطلاع آخر صادر عن معهد أودوكسا أن 83% من الفرنسيين قلقون بشأن التوقعات الاقتصادية، وخاصة تطور ماليتنا العامة. تؤكد بيانات أخرى، أقدم قليلاً، هذا التشخيص الاكتئابي بعمق عند سؤال الآباء عن مستقبل أبنائهم: غالبية الآباء يرون أن أبناءهم سيعيشون حياة أصعب من حياتهم. هذه الخسارة في الإيمان أو الأمل هي في حد ذاتها مؤشر عميق على انزعاجنا الوطني الكبير.

الفرنسيون مرتبطون ثقافياً بالملكية (Patrimonial): يريدون الامتلاك. سواء كانوا ملاكاً أو مدخرين، وغالباً ما يدخرون ليصبحوا ملاكاً أو يمتلكون ليتمكنوا من الادخار ونقل الثروة بشكل أفضل، فإن الفرنسيين مرتبطون ثقافياً بـ'الوراثة' (Patrimonial): يريدون الامتلاك ليس لمجرد الامتلاك، بل من أجل الاستمرارية وحماية أحبائهم. الفرنسيون ثوريون يحبون الاستقرار. وغالباً ما تكون سعيهم للاستقرار هو ما يدفعهم في البداية إلى القطع الثورية. كان النجاح الكبير للثورة الفرنسية هو السماح لشعب من الفلاحين بأن يصبح شعباً من صغار الملاك.

العلاقة بالمال، التي تفسر الكثير من سلوكياتنا الاجتماعية والسياسية، هي أيضاً علاقة بالزمن، بالتوقعات التي نصنعها لحياتنا، بسمات ثقافية. إنها تؤكد ثوابتنا. على خلفية تهديدات الأزمة الميزانية وتوقف النمو، وفي الوقت الذي يصدر فيه تقرير يبحث عن سبل لامتصاص عجزنا العام، فإن أساسيات سلوكنا الجماعي التي تستجوبها هذه اللايقين الوجودي تشهد على الشك والحذر. سوق العقارات، بعد فترة قصيرة من الانتعاش المتواضع، عاد إلى الهدوء، بل ربما إلى التراجع في الأسابيع القادمة. حالة الانتظار تسود أمام جدار الديون، كل شيء معلق، لأن الأهم هو حماية النفس وحماية الأسرة. هذا رد فعل قديم بالانكفاء، بالعودة إلى الحفاظ على الممتلكات، وبالإرادة خلال "الأوقات الصعبة" للعودة إلى شكل من أشكال التأصيل.

هذا الانعكاس ليس نزوة: إنه آلية للبقاء الاجتماعي. الممتلكات، الوطن، الأب: الاستدامة هي قضية تذكرنا بها تفاصيل مخاوف عصرنا. المجتمع السائل الذي كان يبشر بقدومه لم يحدث. اعتباراً من اللحظة التي لم يعد فيها السياسة قادرة على الوفاء بوعدها في التخطيط والحماية، فإن الحاجة إلى التأصيل لدى المواطن لا تنفصل عن ارتباطه بممتلكاته. يعاد تماسك المجتمع، ليس من الأعلى، من خلال السلطة العامة، بل من الأسفل، من خلال شكل من الضرورة الميكانيكية والوظيفية. ومن ثم، فإن الملجأ المالي، رمز الإرادة في النقل والوراثة، هو إحدى أدوات هذا التماسك الجديد من قبل الأفراد وخاصة من قبل العائلات، الأشكال التقليدية بطبيعتها لتنظيم المجتمعات.

تعد فرنسا من بين أكثر الدول فرضاً للضرائب على الميراث في العالم: تصل النسبة إلى 45% في الخط المباشر، مقابل 0% في البرتغال، 4% في إيطاليا، و7% في ألمانيا. هذا يضع موضع التساؤل مدى قبول نموذج الدولة الفرنسية القوية والتحويلية، في وقت لم تعد فيه الدولة قادرة على ضمان التماسك الاجتماعي بينما تستمر في ممارسة ضغط ضريبي يُفترض في النهاية أن يضمن عقدنا الجمهوري.

من المؤكد أن هذه العقدة الغوردية ستكون مزعجة إذا لم يتمكن مواطنونا على المدى الطويل، تحت تهديد الأزمة الميزانية، من الاستناد إلى مدخراتهم وممتلكاتهم في آن واحد، وهما مثبّتان اجتماعيان، ثمرة مبادرة وعمل الأفراد. في مجتمع يبدو فيه دولة الرفاه في تراجع والصعود الاجتماعي غير مؤكد بشكل متزايد، تظل الممتلكات إحدى آخر شبكات الأمان. ما تبقى من مجتمع الثقة سيتآكل إلى درجة تعميم مجتمع عدم الثقة الذي ستدخلنا نقائله إلى منطقة اضطرابات عالية.

نبذة عن المؤلف

فيكتور - محلل سياسي ذو خبرة طويلة في وسائل الإعلام الأمريكية. تساعد مقالاته التحليلية القراء على فهم تعقيدات النظام السياسي الأمريكي.