
في كلمات قليلة
مع تغير المناخ، أصبحت المدن أكثر حرارة. تُظهر الدراسات أن كثافة البناء والتخطيط العمراني للأحياء يؤثران بشكل كبير على درجات الحرارة. يبحث المهندسون المعماريون والمخططون العمرانيون عن طرق جديدة لمكافحة تأثير "الجزر الحرارية الحضرية".
تواجه المدن حول العالم بشكل متزايد مشكلة موجات الحر الشديدة، والتي تكون أشد وطأة بكثير داخل النطاقات الحضرية مقارنة بالمناطق الريفية المحيطة. تُعرف هذه الظاهرة بـ "الجزر الحرارية الحضرية". يمكن أن تكون درجة الحرارة في المدن الكبرى أعلى بعدة درجات مئوية من ضواحيها، ويعتمد ذلك بشكل مباشر على كثافة البناء وجودة المباني.
كمثال على ذلك، مدينة ليون في فرنسا، حيث كشفت دراسات أجريت عام 2022 عن فروق كبيرة في درجات الحرارة بين أحيائها المختلفة. فقد وصل الفارق بين الأجزاء الغربية والشرقية من المدينة إلى 4 درجات مئوية. في منتصف النهار، في حي ليون القديم بشوارعه المرصوفة الضيقة، كانت درجة الحرارة المحسوسة حوالي 33 درجة مئوية، بينما وصلت في حي لا باردو الحديث والمليء بناطحات السحاب إلى 37.5 درجة مئوية.
يشير سكان الأحياء الحديثة ذات الكثافة العالية والمباني الشاهقة إلى أنهم يشعرون وكأن "الحرارة ترتفع مباشرة من الأقدام". المباني المرتفعة تعيق حركة الهواء، وتوفر القليل من الظل، وتعكس حرارة الشمس، مما يفاقم تأثير "الجزيرة الحرارية". الباحثون من المؤسسات العلمية يشيرون إلى عيوب في تصميم المساحات الحضرية الحديثة مقارنة بالأحياء القديمة، حيث "فوضى" التخطيط واختلاف ارتفاعات المباني والمسافات بينها تساعد على تحسين تهوية وتبريد الهواء.
في الجزء الجنوبي من ليون، في حي كونفليونس، يتم بالفعل تطبيق مقاربات جديدة في التخطيط العمراني تهدف إلى التخفيف من آثار موجات الحر. للوهلة الأولى، يبدو الحي حديثاً كغيره، لكن بعض المجمعات السكنية هنا مصممة بابتكار لمواجهة الحرارة. المبدأ الأساسي هو تحرير الأرض قدر الإمكان من البناء الكثيف. على سبيل المثال، لا توجد مواقف سيارات تحت المباني، مما يسمح لماء المطر بالتسرب إلى الأرض ويعزز نمو النباتات. يتم أيضاً استخدام تقنيات قديمة، مثل البناء بالطين الخام، وهي مادة كانت تستخدم كعازل ممتاز منذ القرن الثالث عشر. هذه الحلول المبتكرة والصديقة للبيئة، ومع ذلك، أكثر تكلفة - بنسبة 10 إلى 15٪ مقارنة بالمشاريع التقليدية.
تتطلب مشكلة الجزر الحرارية الحضرية مقاربة شاملة للتخطيط العمراني تجمع بين التقنيات الحديثة والمبادئ القديمة التي أثبتت فعاليتها في تعزيز التبريد الطبيعي للبيئة الحضرية.