
في كلمات قليلة
مادة دراسية جديدة في المدارس الثانوية الفرنسية تجمع بين التاريخ والجغرافيا والجغرافيا السياسية والعلوم السياسية تحظى بشعبية متزايدة. تهدف المادة إلى تطوير التفكير النقدي لدى الطلاب ومساعدتهم على فهم أفضل للقضايا الدولية الراهنة وإعدادهم للدراسات الجامعية.
يبرز تخصص دراسي جديد لطلاب المرحلة الثانوية العليا في فرنسا، الذين يستعدون لنيل شهادة البكالوريا، كخيار شائع ومطلوب بشدة. يجمع هذا المسار، المعروف اختصاراً بـ HGGSP، بين التاريخ والجغرافيا والجغرافيا السياسية والعلوم السياسية، ويختاره ربع طلاب السنة النهائية لفهم أعمق للعلاقات الدولية والأزمات الراهنة التي يشهدها العالم.
يشيد الطلاب والمدرسون على حد سواء بعمق المادة وأهميتها المعاصرة. يذكر الطلاب أن المادة "تتجاوز التوقعات"، حيث تشجع على النقاش البناء وتتيح للمدرسين بناء الدروس حول أسئلة وردود فعل الطلاب، مما يعزز قدرتهم على تطوير التفكير النقدي.
تُعتبر HGGSP من أكثر المواد تطلباً في نظام البكالوريا الحالي، وتغطي ستة محاور رئيسية على مدار العام الدراسي. ورغم تحدياتها، فقد حظيت بإقبال واسع من الطلاب منذ تقديمها عام 2019، بعد إعادة هيكلة المسارات الدراسية السابقة (العلمية، الاقتصادية والاجتماعية، الأدبية).
تُظهر الإحصائيات أن ربع طلاب السنة النهائية يختارون هذه المادة الاختيارية، لتحتل المرتبة الرابعة بعد المواد "الكلاسيكية" كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم الاقتصادية والاجتماعية. كما أنها ثاني أكثر المواد شعبية بين الفتيات. يجدر بالذكر أنها لا تزال تحظى باختيار أكبر من قبل الطلاب القادمين من أوساط اجتماعية واقتصادية ميسورة جداً.
أفضل مادة لي في المدرسة الثانوية! أتذكر أن الطلاب كانوا جميعاً سعداء بحضور هذا الدرس، وهذا أمر نادر جداً يستحق الذكر.
— سيمون، طالب في السنة الثانية في معهد العلوم السياسية برين
يعد التداخل بين التخصصات وربطها بالسياق الجيوسياسي الحالي سبباً رئيسياً في نجاح المادة بين الطلاب والمدرسين. يوضح المدرسون أنهم طالبوا منذ فترة طويلة بدمج الجغرافيا السياسية في المادة، مشيرين إلى أن دراسة العلاقات الدولية كانت تركز على الماضي أكثر من الحاضر.
تحضر القضايا الراهنة وتحدياتها بقوة في المنهاج. ففي محور "شن الحرب وصنع السلام"، يتم فك شفرة دور الأمم المتحدة في الماضي والحاضر، مع استعراض نجاحاتها وإخفاقاتها. كما تُدرس الأشكال المختلفة للحرب، مما يسمح بربط الدرس بالتطورات الحديثة.
كذلك تُعالج القضايا الحساسة وتُطرح للتساؤل. يذكر الطلاب أن HGGSP منحتهم "مفاتيح فهم" تاريخية لقضايا شديدة الحساسية في المجتمع، مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. يتم التعمق في هذا الموضوع أكثر مما هو عليه في دروس التاريخ والجغرافيا الأساسية، مع التركيز على دراسة دقيقة للخرائط لفهم خطة تقسيم فلسطين.
هناك الكثير من الثقافة العامة في هذه المادة، وهذا ما يجعلها مثيرة للاهتمام حقاً. كما يتم تعليمنا تطوير روحنا النقدية.
— سيمون، طالب في السنة الثانية في معهد العلوم السياسية برين
يؤكد المدرسون أنه عند تناول القضايا الراهنة، لا يتم تقديم "حقائق مطلقة"، بل الهدف هو تعليم الطلاب "حس التمييز". كما تشجع المادة على العمل المستقل وتنمية التفكير. النقطة السلبية الوحيدة هي كثافة المنهاج، مما قد يجعل من الصعب على المدرسين إكمال كل المحاور.
رغم أن العلوم السياسية قد تكون أقل حضوراً من الجغرافيا السياسية، إلا أنها لا تقل أهمية وشعبية لدى الطلاب. يتضمن المنهاج درساً عن الديمقراطية وكيفية ترسيخها، مع استعراض أمثلة مضادة مثل فلاديمير بوتين.
بعد المرحلة الثانوية، يتجه العديد من الطلاب الذين درسوا HGGSP نحو تخصصات العلوم السياسية أو القانون في الجامعة.
في التعليم العالي، يتفق الأساتذة على أن مادة HGGSP قد أثرت بشكل كبير على فضول الطلاب وقدرتهم على الربط بين المعارف وتحليل المواضيع بشكل نقدي. يلاحظ أساتذة الجامعة اهتماماً خاصاً لدى هؤلاء الطلاب بقضايا الجغرافيا السياسية والعلوم السياسية.
ما يصنع الفارق أيضاً هو قدرتهم على العمل، وقدرتهم على الرد والمشاركة بجدال مدعم بالحجج.
— ألين فريزمان، أستاذة التاريخ والجغرافيا
يدرك الطلاب أن التاريخ ليس سرداً جامداً بل علماً يتطور باستمرار. يرى الخبراء أن هذه المادة هي الأكثر فائدة في تكوين الوعي المدني، حيث يتعلم الطلاب وضع الأحداث الراهنة في سياقها الأوسع وتطبيق مبادئ العدالة الدولية على تحليل الأزمات.
قد تثير المواضيع التي تتناولها المادة (كالنزاعات والأزمات) القلق لدى بعض الطلاب، لكن المدرسين يشيدون بقدرتهم على الصمود والمرونة. ورغم عدم مثاليتهم للعالم، يجدون القوة للمضي قدماً.