الذكاء الاصطناعي يحلل بيانات "السترات الصفراء" في فرنسا: كشف رؤى المواطنين بعد سنوات

الذكاء الاصطناعي يحلل بيانات "السترات الصفراء" في فرنسا: كشف رؤى المواطنين بعد سنوات

في كلمات قليلة

قام الذكاء الاصطناعي بتحليل ملايين رسائل المواطنين التي تم جمعها في فرنسا بعد احتجاجات "السترات الصفراء". كشفت الدراسة عن رغبة الفرنسيين في المشاركة السياسية، وثقتهم في المسؤولين المحليين، وطلبهم على إنفاق الضرائب بكفاءة.


بعد مرور أكثر من ست سنوات على "النقاش الوطني الكبير" في فرنسا، والذي جاء عقب حركة احتجاج "السترات الصفراء" الواسعة في عام 2019، تم نشر نتائج تحليل معمق للمساهمات التي قدمها المواطنون حينها. الدراسة، التي أجرتها مؤسسة جان جوريس بالتعاون مع شركة Arlequin AI، استخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لمعالجة ملايين الملاحظات والاقتراحات.

وصف جيريمي بيليتييه، المدير العام المشارك لمؤسسة جان جوريس، هذه البيانات بأنها "منجم ذهب" تحتوي على "الكثير من الجواهر الثمينة"، مؤكداً أن معالجة هذه البيانات "تحترم طلب الاعتراف الذي عبر عنه الفرنسيون" في تلك الفترة. ووصف المجتمع الفرنسي بأنه "ناضج جداً".

وأضاف بيليتييه: "معالجة هذه الموضوعات هي استجابة للشعور الكبير بالإحباط الذي شعر به جزء كبير جداً من الفرنسيين، والذي ما زال موجوداً في رأيي". اعتبر هوغو ميشيرون، دكتور في العلوم السياسية والمؤسس المشارك لشركة Arlequin AI، أن تحليل هذه البيانات كان "واجباً على المجتمع المدني".

للتذكير، أطلقت الحكومة الفرنسية "النقاش الوطني الكبير" في 15 يناير 2019 كرد فعل على حركة "السترات الصفراء". وفي أقل من ثلاثة أشهر، تم جمع أكثر من مليوني مساهمة من المواطنين: 1.9 مليون عبر منصة رقمية مخصصة و200 ألف مساهمة مكتوبة يدوياً في 19900 دفتر شكاوى. شارك 400 ألف شخص في استشارة عبر الإنترنت تضمنت أكثر من 80 سؤالاً. يعتبر هذا أكبر جمع طوعي وتلقائي للمعلومات العامة منذ عام 1789. ومع ذلك، بسبب عدم وجود أداة قوية بما يكفي، لم يكن من الممكن تحليل كل هذه الثروة من البيانات بشكل كامل.

قام هوغو ميشيرون وفريق من المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) في الأشهر الأخيرة بتطوير أدوات باستخدام الذكاء الاصطناعي قادرة على معالجة كميات استثنائية من البيانات مع الحفاظ على دقة التحليل. هذا "المنجم الذهبي" كشف عن مجتمع فرنسي "ناضج جداً في العديد من الموضوعات".

يشير جيريمي بيليتييه إلى أنه "هناك الكثير من نقاط الالتقاء، مما يظهر أن المجتمع الفرنسي ليس بالضرورة مجتمعاً غاضباً يريد قلب الطاولة". ويلاحظ وجود "مستوى عالٍ من المعرفة والتفكير في القضايا البيئية والديمقراطية والضريبية".

كما أظهر تحليل دفاتر الشكاوى تساؤلات حول تمثيل الفرنسيين، و"طلباً كبيراً للديمقراطية" و"عدم ثقة كبيرة في السياسة بشكل عام"، وهو ما وصفه بيليتييه بـ"الطائفية"، وهي كلمة تكررت كثيراً. ينتقد العديد من المواطنين "الفجوة بين الوعود الانتخابية والأفعال" بمجرد وصول المسؤولين المنتخبين إلى السلطة، بالإضافة إلى "التأثير المفرط للجماعات الضاغطة والمصالح الحزبية في القرارات العامة". في المقابل، عبر المشاركون عن ثقة كبيرة بالمسؤولين المحليين المنتخبين – وخاصة رؤساء البلديات والمستشارين البلديين – الذين يعتبرون "متاحين، قريبين من الواقع ويهتمون بالصالح العام".

وفقاً لتحليل مؤسسة جان جوريس، يدعو العديد من الفرنسيين إلى تنظيم استفتاءات متكررة، على مستويات مختلفة، حول قضايا رئيسية مثل الاقتصاد، الصحة، البيئة، والضرائب. أحد أهم العناصر هو عدم وجود "سخط ضريبي" بالمعنى الكلاسيكي.

يشرح جيريمي بيليتييه: "ما يتكرر كثيراً في الإجابات التي حللناها هو أن الناس لا يفهمون ما "تستخدم فيه" ضرائبهم. الفكرة ليست في دفع ضرائب أقل، بل في استخدام الضريبة بشكل أفضل".

أداة الذكاء الاصطناعي سمحت بتحديد أربع مجموعات رئيسية بناءً على إجابات المشاركين: المدنيون (36%)، المحافظون (13.7%)، المهتمون بالبيئة (15.8%)، والمتشائمون (29%). باختصار، بينما تتميز المجموعة الأولى، "المدنيون"، بتوقعاتهم للإصلاحات السياسية والمؤسسية، تعطي المجموعة الثانية، "المحافظون"، أولوية واضحة للمسائل المالية والاقتصادية، وهم مهتمون بفعالية الإنفاق العام مع الحفاظ على موقف اجتماعي محافظ. تتميز المجموعة الثالثة، "المهتمون بالبيئة"، باهتمامهم بقضايا التحول الطاقوي والبيئة، خاصة ما يتعلق باستخدام السيارات، بينما يتميز "المتشائمون" بحساسية خاصة للاختلالات في الإدارة والخدمات العامة اليومية، وغضب كبير، إن لم يكن شعوراً بعدم الثقة، تجاه إدارة الشؤون العامة.

نبذة عن المؤلف

كريستينا - صحفية تكتب عن التنوع الثقافي في فرنسا. تكشف مقالاتها عن الخصائص الفريدة للمجتمع الفرنسي وتقاليده.