الحكومة الفرنسية تفقد السيطرة: كيف أثر حل البرلمان على توازن القوى؟

الحكومة الفرنسية تفقد السيطرة: كيف أثر حل البرلمان على توازن القوى؟

في كلمات قليلة

الحكومة الفرنسية تفقد السيطرة التشريعية في البرلمان بعد عام من حله بسبب غياب الأغلبية. تزايد رفض مقترحاتها وتراجع تقديم مشاريع القوانين الكبرى، مما يثير استياء بين النواب.


بعد عام من حل الجمعية الوطنية في يونيو 2024، تواجه الحكومة الفرنسية تراجعاً ملحوظاً في نفوذها داخل البرلمان. فقدان الأغلبية المستقرة جعل السلطة التنفيذية تخسر التصويتات بشكل متكرر، وتضاءلت مبادراتها التشريعية بشكل كبير.

هذا الوضع غير المسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة يعني أن حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو باتت تعتمد على موافقة النواب وأعضاء مجلس الشيوخ. يتم التخلي عن المشاريع التشريعية الكبرى لصالح اقتراحات يقدمها البرلمانيون أنفسهم، غالباً ما تكون أقل طموحاً. هذا الوضع يثير استياء حتى داخل صفوف التحالف الرئاسي.

يظهر التحليل أن الحكومة تُمنى بالهزيمة في التصويتات بشكل أكثر تكراراً. ففي ظل غياب الأغلبية في الجمعية الوطنية، تصبح السلطة التنفيذية عرضة لرفض بعض مقترحاتها واعتماد إجراءات لا تدعمها. يتضح هذا الضعف عند دراسة التعديلات الحكومية التي نوقشت في الجمعية الوطنية خلال الدورة التشريعية الحالية؛ فقد تم رفض أكثر من 16% منها، وهو مستوى لم يسبق له مثيل مقارنة بالدورات التشريعية السابقة.

يقول علماء السياسة إن ما كان نادراً للغاية في السابق أصبح الآن يحدث كل أسبوع تقريباً. من بين النصوص التي شهدت أكبر عدد من التعديلات الحكومية المرفوضة، مشروع قانون تبسيط الحياة الاقتصادية (13 تعديلاً)، ومشروع قانون الميزانية لعام 2025 (12)، ومشروع قانون الطوارئ لمايوت (5).

ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن الحكومة "في وضع وسط". صحيح أنها تواجه إخفاقات، لكنها تحتفظ أيضاً بأدوات إجرائية لتحقيق أهدافها، مثل طلب مداولة ثانية حول تصويت غير راضية عنه في الجمعية الوطنية.

في هذا السياق، تتخلى الحكومة جزئياً عن دورها كمحرك رئيسي في عملية صياغة القوانين في البرلمان. تميزت بداية هذه الدورة التشريعية، وكذلك نهاية سابقتها، بانخفاض حاد في عدد مشاريع القوانين (projets de loi)، وهي النصوص التي تقدمها الحكومة إلى الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، على عكس اقتراحات القوانين (propositions de loi) التي تأتي من البرلمانيين أنفسهم. تفاقم هذا الاتجاه بعد الحل؛ فبين يوليو 2024 ومايو 2025، تم تقديم 37 مشروع قانون فقط، أي أقل بنحو 50% مقارنة بالفترة نفسها في بداية الجمعية السابقة المنتخبة في عام 2022، وأقل بأكثر من 60% مقارنة بالفترة بين يونيو 2017 ومايو 2018.

هذا الانخفاض الحاد هو نتيجة استراتيجية مقصودة من جانب الحكومة. يرى مستشار لرئيس الوزراء فرانسوا بايرو أن "القدوم بنصوص كبيرة وطلب موافقة البرلمان عليها سيكون سيئ الاستقبال". ويعتقد علماء السياسة أن استراتيجية رئيس الوزراء تهدف إلى "إحداث أقل قدر ممكن من الاضطراب"، وهو ما يعتبر "خدمة الحد الأدنى". يجد النظام السياسي الفرنسي نفسه في وضع مشابه للأنظمة البرلمانية في الجمهورية الثالثة والرابعة، حيث يمكن تمرير النصوص، ولكن بشرط عدم وجود نقاش كبير.

لكن هذا الوضع يثير استياء متزايداً بين البرلمانيين، بدءاً من نواب المعسكر الماكروي، الذين ينددون بنقص الطموح لدى السلطة التنفيذية. ينتقد النواب "الجمود" الذي يستفيد منه "المتطرفون"، لأن البرلمان يصدر القوانين، ولكن لإجراء إصلاحات كبيرة، يجب أن يكون هناك بالضرورة مشروع قانون حكومي، وليس مجرد اقتراحات من البرلمانيين.

الفراغ الذي تركه اختفاء مشاريع القوانين الحكومية الكبرى يتم ملؤه الآن باقتراحات القوانين التي يقدمها البرلمانيون أنفسهم. منذ بداية الدورة التشريعية الحالية، تتعلق أكثر من 90% من التصويتات في الجمعية الوطنية باقتراحات القوانين.

لكن هذا الانقلاب في المبادرة التشريعية من الحكومة إلى البرلمان لا يزال تحت سيطرة السلطة التنفيذية إلى حد كبير. يرى الخبراء أن الحكومة لم تفقد زمام الأمور بالكامل، لأن العديد من هذه الاقتراحات البرلمانية إما هي مشاريع حكومية متنكرة يتم تمريرها عبر أعضاء مجلس الشيوخ أو النواب، أو نصوص تسمح الحكومة بمناقشتها عن قصد في البرلمان لكسب ود بعض النواب.

من نتائج هذه الاستراتيجية أيضاً كثرة النصوص الصغيرة التي يعتبرها بعض البرلمانيين هامشية أو ثانوية. يعبر نواب عن استيائهم من أن البرلمان يناقش مواضيع لا علاقة لها بالوضع المتأزم في فرنسا، مثل التصويت بالبريد للسجناء أو تكريم العائدين من الهند الصينية، ويتساءلون عما إذا كانت هذه هي الأولويات حقاً.

مع تصاعد غضب البرلمانيين، يبقى السؤال هو إلى متى ستسمح هذه الطريقة للسلطة التنفيذية بالاستمرار. شيء واحد مؤكد: لن تتمكن الحكومة من الاعتماد على البرلمان لصياغة قوانين الميزانية لعام 2026. فتقديم قوانين الميزانية هو اختصاص حصري للحكومة ويتطلب مشروع قانون حكومي. من المتوقع أن يكون نص الميزانية، الذي يُنذر بالانفجار، حساساً ويجب تقديمه في موعد أقصاه 7 أكتوبر. حتى ذلك الحين، من المرجح أن تجري الحكومة العديد من المشاورات لمحاولة تجنب سحب الثقة أو غيرها من التحديات.

نبذة عن المؤلف

ماريا - صحفية في قسم الثقافة، تغطي الأحداث في عالم الفن والترفيه في فرنسا. تجد مقالاتها عن هوليوود، برودواي، والمشهد الموسيقي الأمريكي صدى لدى القراء.