
في كلمات قليلة
إيطاليا تعيد إحياء مشروع بناء جسر عملاق فوق مضيق ميسينا لربط صقلية بالبر الرئيسي، وهو مشروع مثير للجدل منذ عقود بسبب تكلفته الباهظة ومخاوف الفساد وعدم الاستقرار السياسي. الحكومة تصفه بأنه ضروري للتنمية، بينما يرى النقاد أنه مضيعة للمال في ظل مشاكل أخرى ملحة.
تجددت النقاشات الساخنة في إيطاليا بشأن مشروع ضخم ومثير للجدل للغاية: بناء جسر يعبر مضيق ميسينا لربط جزيرة صقلية بالبر الرئيسي للبلاد. هذا المشروع، الذي وصف بأنه "عمل لا يُعقل" وقدرت تكلفته بـ 13.5 مليار يورو، يثير الجدل منذ أكثر من نصف قرن، ويعتقد العديد من المراقبين أنه لن يرى النور أبداً.
الهدف من هذا المشروع العملاق هو عبور مضيق ميسينا في غضون 15 دقيقة بالسيارة عبر ستة مسارات سريعة، بالإضافة إلى مسار للسكك الحديدية. من المخطط أن يكون الجسر المعلق هو الأطول في العالم، حيث يبلغ طول الجزء المعلق بين الركيزتين الغارقتين في البحر 3.3 كيلومتر.
لكن المخاوف الرئيسية تنبع من تاريخ إيطاليا الطويل مع المشاريع العامة التي يتم الإعلان عنها وتمويلها ولكنها لا تكتمل أبداً، وغالباً ما يكون السبب هو الفساد أو عدم الاستقرار السياسي. قال لويجي ستورنيولو، عضو في مجموعة "لا للجسر" (No Ponte): "السكان المحليون لا يثقون في الطبقة السياسية وفي هذه المشاريع التي تتحول إلى ورش عمل لا نهاية لها".
حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي تولت السلطة في عام 2022، أعادت إحياء المشروع بقوة، وكان وزير البنية التحتية والنقل ماتيو سالفيني في طليعة المؤيدين، حيث يحلم بربط اسمه بهذا الإنجاز. أكد الوزير مراراً أن الجسر سيخلق 120 ألف فرصة عمل في كالابريا وصقلية، وهما منطقتان من بين الأكثر فقراً في البلاد وتعانيان من أعلى معدلات البطالة بين الشباب.
تروّج الحكومة أيضاً لفوائد الجسر في تسهيل التبادل التجاري مع صقلية، التي تعاني من "تكلفة العزلة" تقدر بحوالي 6.5 مليار يورو سنوياً، وفقاً لدراسة إقليمية. يرى ماتيو سالفيني أن الجسر "سيكون محركاً للتنمية".
ومع ذلك، يواجه المشروع انتقادات حادة. يشمل ذلك المخاطر التقنية المرتبطة بظروف مضيق ميسينا المعروف بالرياح العاتية التي قد تتجاوز سرعتها 100 كم/ساعة، مما يؤثر على استقرار الجسر. كما تقع هذه المنطقة على حدود صفيحتين تكتونيتين وشهدت زلازل مدمرة في الماضي. وتؤكد الحكومة أن الجسر سيتم تصميمه باستخدام أحدث التقنيات الهندسية لتحمل هذه الظروف.
بالإضافة إلى ذلك، يرى النقاد أن الأموال المقدرة بـ 13.5 مليار يورو يمكن إنفاقها بشكل أفضل على معالجة المشكلات الملحة الأخرى في مناطق الجنوب الإيطالي، مثل تردي خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية القائمة وشبكات المياه المتهالكة. انتقد ديوان المحاسبة الإيطالي "اختلالاً كبيراً" لصالح الجسر في استثمارات الدولة في البنية التحتية بميزانية 2024.
بالنسبة للاقتصادي دومينيكو مارينو من جامعة ريجيو دي كالابريا، فمن غير المرجح أن تعوض فرص العمل طويلة الأجل التي سيخلقها المشروع فقدان الوظائف المرتبطة بتقليص خدمات العبارات. بينما يقدر اتحاد نقابات العمال (CGIL) عدد العمال الذين سيتم توظيفهم خلال فترة البناء بحوالي 2300 عامل سنوياً.
يعود تاريخ فكرة بناء الجسر إلى نهاية القرن التاسع عشر، وصدر أول قانون ينص على بنائه عام 1971. منذ ذلك الحين، ألغت الحكومات المتعاقبة المشروع ثم أعادت طرحه مراراً وتكراراً. وعد ماتيو سالفيني بالموافقة النهائية على المشروع في يونيو وبدء الأعمال "هذا الصيف"، على الرغم من أن بداية الأعمال قد تأجلت بالفعل من موعد سابق كان مقرراً في صيف 2024. يبقى مصير هذا المشروع الضخم معلقاً بين آمال التنمية ومخاوف الفساد والتأخير المستمر والمخاطر الطبيعية.