
في كلمات قليلة
أدت التخفيضات الجذرية في تمويل الأبحاث الطبية الأمريكية، وخاصة تلك المتعلقة بصحة المرأة، التي فرضتها إدارة ترامب، إلى وضع "قائمة سوداء" للكلمات الأيديولوجية ("امرأة"، "أقليات"، "إيدز")، مما يهدد بوقف اكتشافات حيوية مثل لقاحات السرطان ووسائل الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية. هذه الإجراءات، التي يواجهها العلماء والمؤسسات القضائية بمقاومة واسعة، تهدد القيادة العلمية للولايات المتحدة وتفاقم أزمة وفيات الأمهات.
أثارت التخفيضات الجذرية في الميزانية والقيود الأيديولوجية التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب على التمويل الحكومي للأبحاث الطبية قلقاً واسعاً، حيث يرى الخبراء أن هذه الإجراءات تهدد "عقوداً من التقدم" في مجال صحة المرأة على مستوى العالم. وتستهدف هذه الهجمات بشكل خاص المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، وهي أكبر ممول عام للبحوث الطبية الحيوية في العالم.
لقد ساهمت هذه المعاهد على مدى عقود في تحقيق اكتشافات طبية غيرت حياة الملايين، بما في ذلك تطوير لقاح ضد سرطان عنق الرحم، وتحسين تقنيات الكشف عن سرطان الثدي، وتطوير عقاقير مثل تاموكسيفين، بالإضافة إلى تقنية لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) التي يُتوقع استخدامها في مكافحة سرطانات المبيض والرحم.
قائمة كلمات "محظورة" وتداعيات عالمية
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو ما وصفه الباحثون بـ "التطهير الأيديولوجي" الذي يمارس ضد الأبحاث. فقد أشارت الدكتورة كوليت ديلاوالا، من جامعة إيموري، إلى وجود قائمة غير رسمية من الكلمات في NIH، إذا وردت في ملخص أو عنوان الدراسة، يتم تصنيفها على أنها غير قابلة للتمويل. وتشمل هذه القائمة كلمات مثل "امرأة"، "أنثى"، "أقليات"، "متحول جنسياً"، و"الإيدز".
وتحذر ديلاوالا من أن وقف تمويل الأبحاث المتعلقة بصحة المرأة هو خطوة تهدف إلى الحد من تمكينهن. وتضيف: «إذا توقفت عن دراسة صحة المرأة، فإنك تتوقف عن تمكينها. أنت تجعلها أكثر اعتماداً على الرجال في محيطها. أنت تحد من وصولها إلى التعليم والاستقلال الاقتصادي والمشاركة السياسية».
كما امتدت التداعيات إلى خارج الحدود الأمريكية. فقد أدت قرارات الإدارة بوقف المساعدات الخارجية التي لا تتوافق مع "القيم الأمريكية" إلى تعليق مفاجئ لدراسات حيوية في الخارج، مثل دراسة في جنوب أفريقيا تهدف إلى تطوير حلقة مهبلية توفر حماية مزدوجة للنساء ضد فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والحمل غير المرغوب فيه. ويشكل هذا القرار كارثة لجهود الوقاية من الإيدز في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تمثل النساء والفتيات أكثر من نصف المصابين بالفيروس.
المقاومة القضائية وتهديد القيادة العلمية
تأتي هذه التخفيضات في وقت تسجل فيه الولايات المتحدة أعلى معدلات وفيات الأمهات بين الدول الغنية، مع تفاوتات صارخة تؤثر بشكل خاص على النساء السود ونساء السكان الأصليين.
في مواجهة هذا الهجوم على العلم، لجأت المؤسسات الأكاديمية إلى القضاء. فقد رفعت اثنتان وعشرون ولاية أمريكية وعدة جامعات كبرى، بما في ذلك جامعة هارفارد، دعاوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية للطعن في القيود المفروضة على تمويل الأبحاث. وعلى الرغم من أن قاضياً فيدرالياً قام بتعليق تخفيضات NIH مؤقتاً، إلا أن الحكومة استأنفت القرار.
وتشير التقارير إلى أن هذه السياسات قد تؤدي إلى "نزيف العقول"، حيث يغادر آلاف العلماء البلاد بحثاً عن بيئات عمل مستقرة. وفي خطوة لافتة، أعلنت فرنسا عن تخصيص 100 مليون يورو لاستقبال الباحثين الأمريكيين المتضررين، مما يؤكد المخاوف بشأن فقدان القيادة العلمية الأمريكية.