رشيدة داتي.. وزيرة الثقافة الفرنسية ذات الأصول المغاربية التي تحير اليسار واليمين

رشيدة داتي.. وزيرة الثقافة الفرنسية ذات الأصول المغاربية التي تحير اليسار واليمين

في كلمات قليلة

تستعرض المقالة العلاقات غير المتوقعة التي تجمع وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، المحسوبة على اليمين، بشخصيات بارزة من اليسار الفرنسي. وتسلط الضوء على الإعجاب المتبادل الذي يرتكز على مسارها الشخصي الفريد وحنكتها السياسية.


في عالم السياسة الفرنسية، حيث الخطوط الفاصلة بين اليمين واليسار تبدو واضحة، تبرز شخصية وزيرة الثقافة الحالية رشيدة داتي كحالة فريدة ومحيرة. فعلى الرغم من انتمائها الواضح للمعسكر اليميني، إلا أنها نجحت في بناء شبكة من العلاقات المعقدة والمدهشة مع أبرز خصومها في اليسار، مما يثير تساؤلات حول طبيعة هذه الصلات: هل هي مناورات سياسية ذكية أم إعجاب متبادل حقيقي؟

تتجلى هذه العلاقة غير التقليدية في لقائها مع الناشطة النسوية البيئية ساندرين روسو. ففي وقت كانت فيه روسو تعاني من عزلة سياسية وتهميش داخل حزبها، وجدت دعماً غير متوقع من داتي. اللقاء الذي جمعهما في عام 2022 تحول إلى جلسة "تضامن نسائي"، حيث عبرت داتي عن تقديرها لشجاعة روسو وقدرتها على طرح قضايا جريئة. هذا الموقف ليس جديداً على داتي، التي واجهت بنفسها التمييز الجنسي في عالم السياسة وتعرف جيداً صعوباته.

ويكمن سر هذا الإعجاب اليساري بشخصية داتي في قصتها الشخصية الملهمة. فهي ابنة لأب مغربي وأم جزائرية، نشأت في أسرة متواضعة مكونة من أحد عشر طفلاً، وشقت طريقها لتصبح مثالاً لـ"الجدارة الجمهورية". هذا المسار يلقى صدى إيجابياً لدى اليسار، الذي يرى فيها قصة نجاح تتحدى الحواجز الاجتماعية. يضاف إلى ذلك أسلوبها الذي يوصف بـ"الفظ" أحياناً، والذي يعتبره البعض نقطة قوة، حيث يعكس أصالة وقدرة على المواجهة المباشرة.

ومن أبرز هذه العلاقات غير المتوقعة هي صلتها بزعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون. على مدى عشر سنوات من السفر معاً بالقطار إلى البرلمان الأوروبي في بروكسل، نشأت بينهما علاقة مبنية على الاحترام المتبادل والحوار الفكري. ميلانشون كان يقدر دائماً الحوار مع اليمين الذي تمثله داتي، بينما كانت هي معجبة بثقافته الواسعة وتستمتع بالنقاشات الطويلة معه. وقد وصلت هذه العلاقة إلى ذروتها في أغسطس 2022، عندما تمت دعوة داتي كضيفة شرف إلى الجامعة الصيفية لحزب "فرنسا الأبية" الذي يتزعمه ميلانشون، حيث استُقبلت بحفاوة بالغة.

لكن وراء هذا الإعجاب المتبادل، تكمن حسابات سياسية دقيقة. فداتي معروفة بقدرتها على بناء الجسور لجمع المعلومات واستخدامها في معاركها السياسية، حتى ضد حلفائها في اليمين أحياناً. واليوم، بينما يدعو جزء من اليسار إلى استقالتها، يلتزم تيار ميلانشون الصمت، مما يثير شكوكاً حول وجود "تحالف موضوعي" غير معلن بين الطرفين، ربما لخدمة مصالح مشتركة مستقبلية، خاصة في ظل الانقسامات التي يعاني منها اليسار في باريس.

في النهاية، تظل رشيدة داتي شخصية سياسية استثنائية. سواء كانت علاقاتها باليسار نابعة من حسابات براغماتية أو من تقدير إنساني، فإنها تنجح في كسر القوالب النمطية وتؤكد أن السياسة، في جوهرها، فن الممكن الذي يتجاوز الانتماءات الحزبية الصارمة.

نبذة عن المؤلف

فيكتور - محلل سياسي ذو خبرة طويلة في وسائل الإعلام الأمريكية. تساعد مقالاته التحليلية القراء على فهم تعقيدات النظام السياسي الأمريكي.