
في كلمات قليلة
يسلط تقرير حديث حول تأثير "الإخوان المسلمين" الضوء مجدداً على تحديات العلاقة بين الإسلام والقيم الأساسية للجمهورية الفرنسية. يؤكد عالم الاجتماع فيليب د'إيريبارن أن هذه التحديات ليست جديدة، بل تتعلق بتفسيرات معينة للنصوص الدينية وكيفية تفاعلها مع مفاهيم الحرية والمساواة والأخوة المدنية في السياق الغربي.
أثار تقرير حديث يتناول تأثير جماعة "الإخوان المسلمين" في فرنسا نقاشاً واسعاً حول طبيعة العلاقة بين الإسلام والمجتمع الجمهوري. يؤكد عالم الاجتماع فيليب د'إيريبارن أن التحديات في هذه العلاقة ليست جديدة، بل تعود إلى ما قبل بروز نفوذ "الإخوان المسلمين". وبرأيه، فإن القيم الأساسية للجمهورية الفرنسية - الحرية والمساواة والإخاء - تتقاطع مع بعض التفسيرات التقليدية للإسلام، مما يخلق صعوبات في عملية الاندماج.
يشير د'إيريبارن إلى أن بعض المبادئ، كما وردت في النصوص الإسلامية الأولية (القرآن والحديث)، قد تُفسر بطرق تتعارض مع هذه القيم. على سبيل المثال، مسألة حرية الضمير (حيث يُنظر إلى الارتداد عن الإسلام في بعض التفسيرات التقليدية على أنه جريمة قد تستوجب عقوبة)، وعدم المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في بعض جوانب الحياة الاجتماعية كما ورد في بعض النصوص، ومفهوم الأخوة الذي قد يُفهم على أنه يقتصر على المسلمين دون غيرهم، على عكس مبدأ الأخوة المدنية التي تشمل جميع المواطنين بغض النظر عن دينهم.
ويوضح عالم الاجتماع أن استجابات المسلمين المقيمين في الدول الغربية لهذه التحديات متنوعة للغاية. فمنهم من يتبنى بشكل كامل قيم المجتمع المضيف، بل إن البعض قد يبتعد عن ممارسة الدين. ومنهم من يتجه نحو الأفكار المتطرفة. لكن الأغلبية تسعى لإيجاد حلول وسط، غالباً ما تكون ضمنية. قد يكون قبول درجة معينة من المساواة الاجتماعية للمرأة أمراً أسهل، لكن قبول زواج المسلمة من غير المسلم الذي لا يعتنق الإسلام، أو تحول فرد من العائلة إلى دين آخر، يظل نقطة مقاومة قوية.
يستغل "الإخوان المسلمون" هذا الوضع بذكاء، بحسب د'إيريبارن. هدفهم هو دفع المسلمين في الغرب إلى رفض أي تسوية أو حلول وسط مع مجتمعاتهم المضيفة. يعملون على بناء "أنظمة بيئية" داخلية (مجتمعات مغلقة) لا تقتصر على مساعدة المسلمين على مقاومة ضغوط المجتمع المحيط، بل تمارس عليهم ضغوطاً اجتماعية تدفعهم للمشاركة في هذه المقاومة. يرى د'إيريبارن أن هذا التطور يؤدي إلى ظهور "مجتمع مضاد" إسلامي، حيث تلعب مكانة المرأة ومظهرها (مثل اللباس الشرعي) دوراً استراتيجياً في تمييز الملتزمين عن غيرهم.
وينتقد الخبير استخدام "الإخوان المسلمين" لقيم الحرية والمساواة والإخاء لتحقيق أهدافهم الخاصة، حيث يطالبون الغرب باحترام هذه القيم (مثل حرية العبادة أو المساواة بين الأديان) بينما لا يلتزمون بها داخلياً. ويؤكد على ضرورة عدم الانخداع بهذا الخطاب.
من الأمور الجوهرية، كما يرى د'إيريبارن، حماية الأفراد الذين يقاومون الضغط الاجتماعي الهادف إلى تجنيدهم في بناء هذا "المجتمع المضاد". ويستشهد بتجربة فرنسا مع قانون حظر الرموز الدينية الظاهرة في المدارس، والذي أيّدته العديد من الشابات المسلمات كسبيل وحيد لمقاومة الضغط الاجتماعي الممارس عليهن ليظهرن كـ "مسلمات صالحات". يرى أن هذا النوع من الضغط الاجتماعي غير المرتبط بالعنف الجسدي بحاجة إلى مزيد من الاهتمام القانوني والمجتمعي.
كما يدعو إلى استعادة ما يسميه "المناطق المفقودة في الجمهورية"، بدءاً من المدارس، حيث يواجه المعلمون الذين يقدمون تعليماً غير ديني صعوبات كبيرة عندما يتعارض ذلك مع حساسيات البعض ممن ينظرون إلى العالم من منظور ديني بحت. يعتبر نشر هذا التقرير خطوة مهمة، لكنها ليست سوى بداية معركة طويلة من أجل اندماج المسلمين في فرنسا بشكل ناجح والحفاظ على قيم الجمهورية.