جامعة في أيرلندا تطلق برنامجاً جامعياً فريداً لتدريب المؤثرين

جامعة في أيرلندا تطلق برنامجاً جامعياً فريداً لتدريب المؤثرين

في كلمات قليلة

افتتحت جامعة إيرلندية مساراً أكاديمياً غير مسبوق لتدريب المؤثرين الرقميين. يركز البرنامج على تعليم الجوانب التجارية والفنية والنفسية لمهنة صناعة المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي.


لم تعد مهنة المؤثر مجرد مسألة إبداع فقط؛ فالطلاب يتعلمون أيضاً كيفية تحقيق الدخل من محتواهم. يمكن للطلاب الآن الحصول على تعليم جامعي متخصص في هذا المجال المتنامي.

في خطوة غير مسبوقة، أطلقت جامعة جنوب شرق التكنولوجية (SETU) في مدينة كارلو بأيرلندا، برنامجاً لشهادة جامعية في «صناعة المحتوى ووسائل التواصل الاجتماعي». يهدف هذا البرنامج إلى إضفاء الطابع الاحترافي على النشاط الأكثر رواجاً في العصر الحالي، وهو التأثير الرقمي. تعتبر هذه الجامعة الحكومية الأولى التي تقدم مثل هذا المسار الأكاديمي، على عكس الدورات التدريبية الخاصة باهظة الثمن. تقول مديرة البرنامج، إيرين ماكورميك، مازحة إنه لم يجادلهم أحد في كون برنامجهم هو الأول من نوعه في العالم.

في أحد الأيام الربيعية، تجمع أحد عشر طالباً متوتراً في استوديو التسجيل بالجامعة لخوض أحد امتحانات الدورة: تقديم بودكاست لمدة خمس عشرة دقيقة حول مواضيع محددة تتعلق بالرياضة، الطقس، أو الاتجاهات الحالية. هؤلاء الطلاب هم جزء من الدفعة الأولى لبرنامج «صناعة المحتوى ووسائل التواصل الاجتماعي»، الذي أطلقته الجامعة في خريف 2024. بالإضافة إلى دراسة علم النفس، الكتابة الإبداعية، التسويق، وريادة الأعمال الرقمية، وحتى آليات الشهرة، يتعلمون هنا مونتاج الصوت والفيديو وتقنيات التسجيل، بهدف واحد: أن يصبحوا مؤثرين محترفين.

ولدت فكرة هذه الشهادة لدى إيرين ماكورميك، وهي منتجة تلفزيونية مخضرمة، قبل أربع سنوات خلال تنظيم مخيم صيفي للمراهقين المحرومين. اندهشت من «تسونامي» الطلبات التي تلقتها من الشباب المتحمس لتعلم صناعة المحتوى، ما دفعها للتفكير في إنشاء برنامج أكاديمي لمرحلة ما بعد الثانوية يهدف إلى إضفاء الطابع المهني على هذا النشاط المتنامي وجعله متاحاً مالياً للشباب من خلفيات متنوعة. تؤكد أن طلابهم «لا يتوافقون مع الصور النمطية للمؤثرة ذات الوجه المليء بالمكياج». يضم البرنامج طلاباً يطمحون لأن يصبحوا مقدمي بودكاست شخصي، لاعبي ألعاب إلكترونية، أو شباب مهتمين بالقضايا الاجتماعية مثل التوعية بالتوحد.

من بين الطلاب، لوك، 19 عاماً، الذي يحلم بأن يصبح لاعباً ومذيعاً للألعاب (ستريمر). هدفه هو جمع ملايين المتابعين مثل قدوته. يدرك أن الأمر يتطلب «العمل الجاد» و«صعوبة الانتشار إذا لم تكن من الولايات المتحدة»، لكنه واثق ولديه خطة مهنية: «زيادة عدد المشاهدات تدريجياً، تقديم محتوى ممتع بشخصيتي الخاصة». يعتبر لوك ببراغماتية أن أن تصبح مؤثراً «أصبح في 2025 عملاً تجارياً كأي عمل آخر». إلى جانبه، هاري، 23 عاماً، الذي كان يعمل في الأمن السيبراني، يخطط لإنشاء بودكاست «اعترافات»، وهو صيغة يدرك شعبيتها. لديه خطة عمل واضحة تتضمن دمج الإعلانات المدفوعة في مقاطع الفيديو الخاصة به على يوتيوب.

جيسيكا، 19 عاماً، وهي فتاة مصابة باضطراب طيف التوحد، تسعى لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي حول هذا الاضطراب. تقول: «الكثير من الناس لا يعرفون ما هو التوحد. بالنسبة للبعض، حتى يستخدم كإهانة». منذ بدء دراستها في كارلو، أدركت قدراتها في صناعة المحتوى بهدف تبادل المعرفة حول حالتها. تطمح لإطلاق منصة تنشر عليها فيديوهات «كما يفعل مستخدمو تيك توك»، وقد تعلمت بالفعل تحرير الفيديو، استخدام الصور المصغرة (thumbnails)، وفهم آليات علم النفس في استقبال المحتوى على الشبكات الاجتماعية. جيسيكا مقتنعة بأن مهنة المؤثر هي المستقبل: «لدينا وصول إلى كل شيء على هواتفنا، طوال الوقت. الشبكات الاجتماعية ببساطة لا غنى عنها».

بعيداً عن الصورة المبسطة غالباً لهذه المهنة الناشئة، تقدم شهادة المؤثر من SETU للطلاب تجربة تتسم بالإصرار والتفكير العميق. «الكثيرون لا يعرفون ما يحدث خلف الكواليس في هذه المهنة»، تشرح إيرين ماكورميك. «لا يتعلق الأمر فقط بنشر صور شخصية، بل بتكريس عشرات الساعات للعمل على التواصل، الصورة، العلامة التجارية، الجمهور، والتعامل مع الأزمات».

المهنة محفوفة بالمخاطر، وهذا ما يتم شرحه بصراحة للطلاب: أيام عمل لا نهاية لها، تداخل الحياة الشخصية والمهنية، خطر التنمر الإلكتروني (خاصة ضد النساء)، صعوبة تحويل المشاهدات إلى أموال من خلال الإعلانات أو الشراكات، وتعقيد بناء علامة تجارية خاصة. ترى إيرين ماكورميك أنه «من الضروري لشبابنا أن يكون لديهم رؤية شاملة لهذا العالم المعقد وأحياناً الخطير للتأثير. إنها مهنة صعبة تتطلب الوقت، التفكير، والنضج. يمكن أن تؤدي أيضاً إلى الإرهاق والفشل، ويجب أن يعرفوا ذلك».

تساعد الأستاذة ديردري تريسي، المتخصصة في تحليل البيانات، الطلاب على اكتساب أدوات عملية مثل اختبار A/B وفهم معدل المشاركة. تشجعهم على «التحرر من الذاتية المفرطة» وتبني مقاربة أكثر علمية. تقول الطالبة فافور، 19 عاماً: «لقد تفاجأت بكمية العمل المطلوب هنا، وأهمية وحدات التسويق والإحصاء. تسمية 'صناعة المحتوى ووسائل التواصل الاجتماعي' لا تتوافق أبداً مع مادة سهلة! على العكس، هذه الشهادة تتطلب حل المشكلات باستمرار، ممارسة التفكير النقدي، وتعلم التحدث أمام الجمهور والإبداع».

في حين يرى الكثيرون في عالم التأثير مستقبلاً واعداً ومصدراً كبيراً للوظائف، فإن النجاح فيه ليس سهلاً. المنافسة شديدة جداً. في كارلو، تم قبول 15 طالباً فقط من أصل 200 طلب للدفعة الأولى. النجاح هنا لا يعتمد على الحظ بقدر ما يعتمد على المعرفة المتزايدة بالصناعة، الأرقام، والخوارزميات.

من القضايا الهامة التي يتم تناولها في الدورة موضوع التنمر الإلكتروني. تشير الدراسات إلى أن غالبية ضحايا العنف السيبراني من النساء. يناقش المدرسون هذه المخاطر مع الطلاب، مذكّرين بأن رائدات التدوين والتأثير كن نساء، غالباً ما كانت لديهن مداخيل متواضعة، وهو أمر شائع عندما تكون المهنة مخصصة للنساء، على الرغم من وجود استثناءات بارزة اليوم لمؤثرات حققن نجاحاً عالمياً.

نبذة عن المؤلف

سيرجي - محلل اقتصادي، يحلل الأسواق المالية في فرنسا والاتجاهات الاقتصادية العالمية. تساعد مقالاته القراء على فهم العمليات الاقتصادية المعقدة.