
في كلمات قليلة
تحلل المقالة كيف أحدثت الطائرات بدون طيار (الدرونز)، وخاصة بعد استخدامها المكثف في حرب أوكرانيا، ثورة كاملة في التكتيكات العسكرية. لقد تحولت الدرونات من أدوات استطلاع باهظة الثمن إلى أسلحة هجومية رخيصة وفعالة بشكل مرعب، مما غير ميزان القوى في ساحة المعركة وأجبر الجيوش على إعادة هيكلة قواتها بالكامل.
لم يعد شيء على حاله في ساحات المعارك الحديثة مع ظهور الطائرات بدون طيار، التي أحدثت تحولاً جذرياً في المفاهيم العسكرية. يرى خبراء في الفكر العسكري أن ما نشهده اليوم ليس مجرد تطور تقني، بل هو ثورة متكاملة توازي في تأثيرها اختراع البارود أو المحركات في عصرها.
لا يجب الخلط بين "أداة" التسيير عن بعد وجوهر التحول الذي تفرضه على القوات المسلحة. المقارنة الأوضح هي مع ثورة المحركات، التي لم تقتصر على الشاحنات والدبابات، بل أتاحت طاقة فائضة سمحت بزيادة السرعة في ميدان المعركة وحمل أوزان أثقل واستغلال المجال الجوي. من هذا المنطلق، تسهل "الدرونة" نشر الأدوات الرقمية وتوفر دقة غير مسبوقة في توجيه الضربات العسكرية.
لقد استبدل جندي المشاة اليوم منظاره وقنابله اليدوية بطائرات صغيرة قادرة على الرؤية والضرب على بعد عدة كيلومترات من موقعه، تماماً كما استبدل الفارس حصانه بمركبة آلية في بداية القرن العشرين. هذا يستدعي تصحيحاً كاملاً لرؤيتنا للقتال.
تؤدي "الدرونة" إلى قطيعتين رئيسيتين. الأولى هي الدور المهيمن الذي تمنحه للقوة النارية. منذ ثمانينيات القرن الماضي، تم تطوير "الضربات الدقيقة" عبر ذخائر تطلقها الطائرات وتوجهها الأقمار الصناعية، مما ضمن تفوقاً ساحقاً لما يقرب من أربعين عاماً. لكن مشكلة هذا النموذج كانت في تعقيده وتكلفته الباهظة.
لقد حطمت "الدرونة" هذا الإطار، محولةً الضربة الدقيقة إلى أداة متاحة لكل الأطراف العسكرية. فطائرة "انتحارية" بدون طيار تكلف حوالي 450 يورو فقط، بينما تبلغ تكلفة قنبلة "Hammer" الدقيقة حوالي 400,000 يورو. وبهذا، تجعل الطائرات بدون طيار النار قوة omnipresentة ترى كل شيء وتصيب كل شيء، ساحقةً بذلك أي محاولة للحركة.
أما القطيعة الثانية، فتتمثل في أن الطائرات بدون طيار تُنتج بكميات مليونية على خطوط التجميع، وفي نفس الوقت يمكن للمقاتلين إعادة تشكيلها وتعديلها بسهولة. هذا يسمح بإعادة بناء قدرات هائلة أثناء الحرب، بل وحتى أثناء سير المعركة نفسها.
مع الحرب في أوكرانيا، توقفت الطائرة بدون طيار عن كونها "أداة تكنولوجية فاخرة" وأصبحت منتجاً استهلاكياً يمكن تعديله بإضافة متفجرات مختلفة أو بطاريات وهوائيات لزيادة مداه وقوته الفتاكة. لم تعد بديلاً للمدفعية أو الطيران، بل أصبحت "سكينة سويسرية" متعددة الاستخدامات تعوض النقص في المدافع والطائرات على جبهة نشطة تمتد لآلاف الكيلومترات. إنها لا تحدد فقط تنظيم القوات الروسية والأوكرانية، بل تغير تماماً طريقتهم في القتال.
اليوم، تقع 70% من الخسائر البشرية بسبب الطائرات بدون طيار. لم تعد الأولوية للمناورة البشرية، بل للحفاظ على استمرارية عمل الطائرات بدون طيار على الجبهة. يشكو الجنود من أن من بين كل مئة رجل، هناك عشرون فقط متاحون لشن الهجوم، بينما البقية منشغلون في قيادة الطائرات المختلفة وإصلاحها وإدارة عمليات التشويش. أصبح موقع يدافع عنه خمسة جنود مدعومين جيداً بالدرونات صعباً جداً على كتيبة كاملة اقتحامه.
هذا الواقع يدفع نحو إدخال الذكاء الاصطناعي إلى الجبهة لإدارة تدفق المعلومات وتغيير الترددات المشوشة تلقائياً. معظم طائرات FPV تستخدم الآن تقنيات التعرف التلقائي على الصور. لقد أدى كل هذا إلى إنشاء منظمات متخصصة مثل "جيش الدرونز" الأوكراني ومركز "روبيكون" الروسي.
إن ما يحدث يمثل دعوة للدول الأوروبية للاستثمار بشكل عاجل في الحلول التي صممها الأوكرانيون في معارك اليوم، وإعادة التفكير جذرياً في نماذج جيوشها التي قد تصبح متجاوزة قبل أن تطلق رصاصة واحدة في أي صراع مستقبلي عالي الشدة.