جدل في غراس: هل تبيع المدينة مصنع العطور التاريخي وسط احتجاجات السكان؟

جدل في غراس: هل تبيع المدينة مصنع العطور التاريخي وسط احتجاجات السكان؟

في كلمات قليلة

تشهد مدينة غراس الفرنسية خلافاً بين سكانها وبلديتها حول مصنع عطور تاريخي. السكان يعارضون بيعه المقترح عبر عريضة، بينما تؤكد البلدية أن المبنى سينتقل إلى كيان عام لتطويره وليس لبيعه لمستثمرين خاصين.


تحوم رائحة الجدل فوق مرتفعات مدينة غراس الفرنسية (الألب البحرية). في الوقت الذي جمعت فيه عريضة شعبية تحت عنوان «لإنقاذ مصنع هوغز-آيني القديم» حوالي 500 توقيع في غضون أسابيع قليلة، تنفي البلدية رسمياً أي عملية مضاربة.

سبب الخلاف يكمن في مصير مبنى يمثل رمزاً لتاريخ غراس الصناعي، ويقع في شارع جان أوسولا، ضمن نطاق «مربع المتاحف». هذا المكان ليس عادياً، فالمصنع العائلي القديم للعطور، الذي تأسس في القرن التاسع عشر على يد أسرة هوغز، يجسد جزءاً كاملاً من التراث العطري للمدينة. واجهته التي تم ترميمها في عام 2019 بفضل الرعاية الخاصة تشهد على ذلك: بين القنوات تحت الأرض، والرسومات الفنية التقنية، وذكريات التقطير بالبخار، كل شيء يوحي بالروح الحرفية لغراس المزدهرة. يمتلك هذا المبنى، الذي تبلغ مساحته 466 متراً مربعاً، حالياً البلدية، ولكنه قد ينتقل إلى أيدٍ أخرى.

هذا بالتحديد ما يخشاه الموقعون على العريضة، الذين يتهمون البلدية بتبديد جوهرة من التراث المحلي لصالح مصالح خاصة. ويقف وراء هذه التعبئة باستيان بوتازي، أحد سكان المدينة، والمعارض الشرس لسياسة رئيس البلدية. على الرغم من أنه معتاد على الطعون الإدارية التي تستهدف قرارات الأغلبية، إلا أنه لا يشغل أي منصب سياسي، ويعمل بصفته الشخصية.

في نصهم الموجه إلى رئيس البلدية والمجلس البلدي، يطالب الموقعون على العريضة بإلغاء المداولة رقم 2025-23، التي تنص على بيع المبنى لشركة SEML (شركة اقتصاد مختلط محلية) «Pays de Grasse Dynamiques» بمبلغ 300,000 يورو. يعتبرون هذا السعر تافهاً بالنظر إلى الموقع – على بعد خطوات من متحف الفن والتاريخ في بروفانس – والأهمية الرمزية للمكان. ويدافعون عن مشروع بديل ذي منفعة عامة: الحفاظ على الملحق المتحفي، إقامة معارض مؤقتة مخصصة للعطور، وعلى المدى الطويل، إنشاء مسار متحفي تحت الأرض يربط المؤسسات المجاورة.

من جهة أخرى، تصف دار البلدية ما يحدث بأنه تضليل إعلامي. في بيان صحفي رداً على العريضة، شجب رئيس البلدية «ادعاءات كاذبة» و«مناورات سياسية». وأكد قائلاً: «من الخطأ تماماً القول إن المبنى سيتم بيعه لمطور خاص في مجال الرفاهية. على العكس تماماً، بصفتي عمدة غراس، أظل ملتزماً بشدة بصون وتثمين تراث غراس». ووفقاً للبلدية، يتعلق الأمر بنقل الملكية إلى أداة عامة ذات أغلبية بلدية، في إطار برنامج «قلب المدينة النابض» المدعوم من الدولة. ويهدف مشروع SEML إلى إنشاء حاضنة أعمال حول مهن الرفاهية، ضمن منطق إعادة تأهيل التراث وتنشيط الاقتصاد. وتشير البلدية إلى أن المبنى، المغلق حالياً والمتضرر، يحتاج إلى ما يقرب من مليون يورو من أعمال الترميم.

يبقى السؤال ما إذا كان هذا التوضيح سيكفي لتهدئة التوترات. ففي قلب النقاش يكمن تعريف مفهوم تثمين التراث نفسه. بالنسبة للمعارضين والمدافعين عن المشروع البديل، الخطر يكمن في رؤية الذاكرة العطرية لغراس تختزل في واجهة تجارية. أما بالنسبة للأغلبية البلدية، فالأمر على العكس تماماً، هو رهان مدروس على المستقبل، حيث يتشابك التراث والتنمية الاقتصادية.

نبذة عن المؤلف

باول - محلل دولي، يحلل السياسة الخارجية لفرنسا والعلاقات الدولية. تساعد تعليقاته الخبراء في فهم موقف فرنسا على الساحة العالمية.