لعبة إسرائيل الخطيرة مع حماس: كيف قادت استراتيجية 'فرق تسد' إلى عواقب وخيمة؟

لعبة إسرائيل الخطيرة مع حماس: كيف قادت استراتيجية 'فرق تسد' إلى عواقب وخيمة؟

في كلمات قليلة

اعتمدت إسرائيل لعقود سياسة 'فرق تسد' بدعم جماعات إسلامية، بما في ذلك حماس في بداياتها، لإضعاف منظمة التحرير/السلطة الفلسطينية العلمانية. هذه الاستراتيجية، الهادفة لمنع قيام دولة فلسطينية، أدت إلى تعزيز قوة حماس، وهو ما يرى منتقدون أنه ساهم في أحداث 7 أكتوبر 2023.


تُظهر السياسة الإسرائيلية تجاه الفصائل الفلسطينية استمراراً في استراتيجية محفوفة بالمخاطر تتمثل في دعم خصوم أعدائها الرئيسيين، وهو مثال واضح على مبدأ «فرق تسد». هذه السياسة متبعة منذ أربعة عقود على الأقل ولها جذور تاريخية عميقة، حتى قبل تأسيس حركة حماس في عام 1987.

اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، أفيغدور ليبرمان، علناً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتسليح ميليشيات منافسة لحماس في غزة. من بين هذه الميليشيات، ذُكرت عصابة يقودها ياسر أبو شباب، المرتبط بأجهزة المخابرات، والذي يُزعم أنه نهب المساعدات الإنسانية في جنوب القطاع لزرع الفوضى. اعترف نتنياهو بأن إسرائيل «تعمل على هزيمة حماس بوسائل مختلفة»، ما يضيف فصلاً جديداً لهذه الاستراتيجية القديمة.

تاريخياً، منذ أواخر السبعينيات، دعمت السلطات الإسرائيلية، التي كانت تحتل قطاع غزة عسكرياً، تطور الجمعيات الإسلامية هناك. أبرزها كانت جمعية الشيخ أحمد ياسين، المرتبطة بفرع الإخوان المسلمين المحلي، والتي أسفرت عن ولادة حماس عام 1987. كان الهدف من ذلك إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت آنذاك العدو اللدود لإسرائيل.

منظمة التحرير، العلمانية والوطنية، كانت تمثل بالنسبة لإسرائيل خصماً منظماً قادراً على توحيد السكان حول مشروع وطني متماسك. لذا، نظرت إسرائيل بعين الرضا إلى صعود التيارات الإسلامية التي اعتبرتها أقل خطراً سياسياً. تؤكد أرشيفات الشاباك (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) والعديد من دراسات المتخصصين أن إسرائيل سمحت آنذاك بإنشاء «المجمع الإسلامي» الذي كان يرأسه أحمد ياسين، والذي أصبح لاحقاً الزعيم الروحي لحماس.

اعترف الحاكم العسكري الإسرائيلي السابق لغزة، يتسحاق سيغيف، في عام 1981: «اعتقدنا أن الإسلام المعتدل أفضل من القومية العلمانية». كما أقر المسؤول الإسرائيلي السابق عن الشؤون الدينية، أفنير كوهين، علناً بأن حماس كانت «صنيعة إسرائيل». ومع ذلك، حولت الانتفاضة الأولى، التي اندلعت في غزة في ديسمبر 1987، «المجمع الإسلامي» إلى حماس، التي سرعان ما خرجت عن السيطرة الإسرائيلية لتصبح لاعباً مركزياً في «المقاومة» الفلسطينية.

بعد اتفاقيات أوسلو عام 1993، التي عارضتها حماس بالعديد من الهجمات الانتحارية، تحول التنافس بين الإسلاميين والسلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات إلى مواجهات. بلغت هذه المواجهات ذروتها عام 2007 بحرب مفتوحة طرد فيها الإسلاميون السلطة الفلسطينية من غزة بقوة السلاح، دون أن تتدخل إسرائيل لمساعدة السلطة.

سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للحفاظ على هذا الانقسام لمنع تشكيل جبهة فلسطينية موحدة تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية. في عام 2019، أقر بنيامين نتنياهو بذلك أمام حزبه قائلاً: «كل من يعارض إقامة دولة فلسطينية يجب أن يكون مع تحويل الأموال إلى غزة، لأن الحفاظ على الفصل بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة يساعد في منع إقامة دولة فلسطينية».

منذ عام 2018، تجسدت هذه الاستراتيجية في السماح بتحويلات الأموال القطرية إلى غزة. شهرياً، كان يتم إيصال 30 مليون دولار إلى غزة عبر مسؤول قطري مروراً بالأراضي الإسرائيلية. ورغم أن هذه الأموال كانت مخصصة رسمياً للمساعدات الإنسانية، إلا أنها سمحت لحماس بدفع رواتب موظفيها، وتوطيد سلطتها، وقبل كل شيء، تعزيز قدراتها العسكرية (صواريخ، أنفاق، وغيرها).

لخص وزير المالية الحالي في حكومة نتنياهو، بتسلئيل سموتريتش، هذه الاستراتيجية في عام 2015 بقوله: «السلطة الفلسطينية عبء. حماس كنز». لكن بالنسبة لرئيس الشاباك الأسبق، عامي أيالون، «بدعم المجموعات المتطرفة لإضعاف أعدائنا، نخاطر بخلق وحوش لا يمكن السيطرة عليها». قد تكون أحداث 7 أكتوبر 2023 الدامية، التي تعد أكبر مأساة تعرضت لها إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، شاهداً على ذلك. لكن قضية أبو شباب تظهر أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تزال ترفض استخلاص العبر.

نبذة عن المؤلف

سيرجي - محلل اقتصادي، يحلل الأسواق المالية في فرنسا والاتجاهات الاقتصادية العالمية. تساعد مقالاته القراء على فهم العمليات الاقتصادية المعقدة.