
في كلمات قليلة
لأول مرة منذ سنوات، تقترض إيطاليا بتكاليف أقل من فرنسا، مما يعكس تحولاً عميقاً في ثقة الأسواق. يشرح الخبير الاقتصادي لورنزو كودونيو، كبير الاقتصاديين السابق في الخزانة الإيطالية، أن الاستقرار السياسي في روما والمخاطر المالية المتزايدة في باريس هي سبب هذا التغير. ويحذر من أن فرنسا قد تواجه نفس مصير إيطاليا قبل عقد من الزمن.
في تحول لافت يعكس تغيراً في ثقة الأسواق المالية، أصبحت إيطاليا، التي طالما وصفت بـ "الطالب الضعيف" في منطقة اليورو، تقترض بتكاليف أقل من فرنسا، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2005. هذا التطور يأتي على الرغم من أن الدين الإيطالي أعلى، بينما تواجه فرنسا، التي تتزايد علاوة المخاطرة على ديونها، تحذيرات متزايدة.
لورنزو كودونيو، كبير الاقتصاديين السابق في الخزانة الإيطالية بين عامي 2006 و 2015، يرى أن هذا التحول ليس مجرد ظاهرة مؤقتة بل يعكس تغيراً هيكلياً أعمق. ويوضح كودونيو، الذي يعمل حالياً أستاذاً زائراً في كلية لندن للاقتصاد، أن الاقتصاد الفرنسي يظهر علامات ضعف، كما أن عجزه الأولي لا يزال كبيراً، في حين تحقق إيطاليا فائضاً أولياً. وخلصت الأسواق إلى أنه بدون جهود جادة لضبط الميزانية، فإن المسار المالي لفرنسا قد يتدهور أكثر، خاصة في ظل السياق السياسي الفرنسي الحالي الذي يجعل الإصلاحات أمراً صعباً.
ويشير كودونيو إلى عامل حاسم آخر: الاستقرار السياسي. فبعد سنوات من الاضطرابات، أصبحت إيطاليا تُحكم من قبل حكومة يُنظر إليها على أنها مسؤولة من الناحية المالية، بقيادة جورجيا ميلوني. قد لا يتفق الجميع مع توجهاتها، لكن بالنسبة للمستثمرين، هذا الاستقرار له وزن كبير.
وعلى الرغم من أن حكومة ميلوني ورثت وضعاً مالياً معقداً، إلا أنها استفادت من عدة عوامل ساهمت في تحسين الصورة. فقد قامت بتقليص برنامج "المكافأة الفائقة" لدعم تجديد المساكن، والذي كان مكلفاً للغاية. كما استفادت الحكومة من زيادة غير متوقعة في الإيرادات الضريبية بفضل التضخم، بالإضافة إلى ثمار جهود سابقة لمكافحة التهرب الضريبي من خلال تعميم الفواتير الإلكترونية.
في المقابل، يرى كودونيو أن فرنسا تواجه تحدياً كبيراً. ويحذر قائلاً: "ليس من المستبعد أن تبدأ الأسواق في المستقبل بالنظر إلى فرنسا بنفس الريبة التي كانت تنظر بها إلى إيطاليا قبل عشر سنوات". ويؤكد أن الطريق الوحيد أمام باريس لتجنب هذا المصير هو "خفض الإنفاق الجاري من خلال إصلاحات هيكلية طموحة"، وهو ما يتطلب معالجة قضايا حساسة للغاية مثل نظام التقاعد والخدمات الاجتماعية.
وعلى الرغم من أن فرنسا لا تزال في وضع أقل خطورة من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بإيطاليا، إلا أن الديناميكيات الحالية تثير القلق. ويختتم كودونيو تحليله بالقول إن فرنسا لا تزال عرضة للخطر، ولكن لا يوجد تهديد وشيك في هذه المرحلة، مشيراً إلى أن اهتمام المستثمرين حالياً يتركز على الولايات المتحدة والصين وألمانيا أكثر من أوروبا.