مؤرخ بارز: وهم تفكك العولمة... الدول اليوم أقوى والعالم كان أكثر انفتاحاً في القرن التاسع عشر

مؤرخ بارز: وهم تفكك العولمة... الدول اليوم أقوى والعالم كان أكثر انفتاحاً في القرن التاسع عشر

في كلمات قليلة

يقدم المؤرخ بليز ويلفرت رؤية مخالفة للسائد، حيث يؤكد أن العالم كان أكثر عولمة في القرن التاسع عشر مما هو عليه اليوم. ويجادل بأن الدول القومية الحالية أقوى من أي وقت مضى، وأن الحديث عن "تفكك العولمة" هو مجرد تباطؤ في النمو، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي ساهم في تعزيز دول الرفاه، ومحذرًا من عودة منطق الإمبراطوريات.


في تحليل يتحدى الأفكار السائدة حول الاقتصاد العالمي، يؤكد المؤرخ بليز ويلفرت، المتخصص في تاريخ العولمة، أن الدول القومية اليوم أقوى وأكثر رسوخًا من أي وقت مضى، على الرغم من عقود من التكامل الاقتصادي.

ويوضح ويلفرت أن الحديث عن "تفكك العولمة" أو "الانكفاء على الذات" لا تعكسه الأرقام بدقة. فعلى الرغم من أن نمو التجارة الدولية قد تباطأ بشكل كبير مقارنة بنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ الأزمة المالية عام 2008، إلا أنه لم يحدث انهيار كبير. ويشير المؤرخ إلى أننا "في الواقع، كنا نعيش في عالم أكثر عولمة في نهاية القرن التاسع عشر".

ويضيف أن مستويات التكامل، خاصة فيما يتعلق بتداول الأيدي العاملة ورؤوس الأموال، كانت أعلى بكثير في تلك الفترة. فحتى مع وجود التكنولوجيا الرقمية اليوم، لا نزال نستهلك القليل جداً من المنتجات الثقافية التي تأتي من أماكن بعيدة، وإذا حدث ذلك، فإنه يقتصر على عدد قليل من البلدان مثل الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، اليابان أو كوريا الجنوبية. العالم لا يزال "مُقسّمًا إلى دول قومية إلى حد كبير".

ويلفت ويلفرت الانتباه إلى أن الحدود الوطنية لا تزال تلعب دورًا محوريًا. فحتى داخل الاتحاد الأوروبي، حيث حرية الحركة مضمونة، تظل التجارة بين مناطق مختلفة في دولة عضو واحدة أعلى من التجارة مع مناطق في دول أخرى. وينطبق الأمر نفسه على الحدود بين الولايات المتحدة وكندا، التي تعد أطول حدود غير عسكرية في العالم.

وفيما يتعلق بالهجرة، التي تثير معارضة سياسية متزايدة، يؤكد ويلفرت أن تدفقات العمالة تقاوم هذه الضغوط لأن اقتصاداتنا المتكاملة تحتاج إليها. ويستشهد بفترة "الثلاثين المجيدة" (1945-1975) في فرنسا كمثال:

"خلال فترة الثلاثين المجيدة، تمكن العمال الفرنسيون من رفع مهاراتهم بشكل خاص لأن العمالة من شمال إفريقيا شغلت الوظائف ذات المهارات المتدنية".

ويرى المؤرخ أن الهجرة عادة ما تحفز النمو الاقتصادي، حيث يشغل العمال المهاجرون وظائف لم تعد مرغوبة لدى السكان المحليين. كما يذكر بأن التوترات المتعلقة بالمنافسة في سوق العمل ليست جديدة، ولكن كانت هناك أيضًا ديناميكيات إيجابية، مثل اتفاقيات أوائل القرن العشرين بين فرنسا وإيطاليا التي ضمنت حقوقًا اجتماعية متساوية للعمال المهاجرين.

ويتطرق ويلفرت إلى فكرة أن التجارة الحرة لا تتعارض بالضرورة مع السياسات اليسارية. ويشير إلى أن الدول الاسكندنافية، التي تعد من بين أكثر الدول تكاملاً اقتصاديًا في العالم، تتمتع في الوقت نفسه بدولة رفاه قوية. على النقيض من ذلك، فإن الولايات المتحدة، التي تمثل التجارة الخارجية جزءًا صغيرًا من ناتجها المحلي الإجمالي، لديها دولة رفاه متواضعة.

ويفنّد ويلفرت الادعاء القائل بأن الاتحاد الأوروبي هو "حصان طروادة لليبرالية المتطرفة". ويقول إن خصوم الاتحاد، مثل أنصار ترامب، يرونه منظمة اشتراكية تقريبًا، حيث أن مستويات الإنفاق العام وإعادة التوزيع داخل الاتحاد الأوروبي هي من بين الأعلى في العالم. ووفقًا للمؤرخ آلان ميلوارد، فإن التكامل الأوروبي "أنقذ" الدول القومية الأوروبية من خلال تمكينها من بناء دول رفاه قوية.

أخيرًا، يحذر ويلفرت من عودة منطق "الإمبراطوريات" كبديل للعولمة القائمة على السوق والقانون. ويرى أن دولًا مثل الصين وروسيا لا تزال تعمل كإمبراطوريات لم تتخل عن منطق التوسع، بل وحتى الولايات المتحدة قد تفكر في مستقبل إمبراطوري. هذه العولمة الإمبراطورية، القائمة على الافتراس والهيمنة، تمثل خيارًا حاضرًا في التاريخ وقد تعود لتصبح حقيقة سياسية في عالمنا المعاصر.

نبذة عن المؤلف

سيرجي - محلل اقتصادي، يحلل الأسواق المالية في فرنسا والاتجاهات الاقتصادية العالمية. تساعد مقالاته القراء على فهم العمليات الاقتصادية المعقدة.