شبح الفاشية: كيف يخوض اليسار المعاصر معركة ضد عدو وهمي؟

شبح الفاشية: كيف يخوض اليسار المعاصر معركة ضد عدو وهمي؟

في كلمات قليلة

تحليل نقدي لـ"معاداة الفاشية" المعاصرة كأداة سياسية يستخدمها اليسار. يجادل النص بأن هذه الظاهرة تحارب أشباح الماضي بدلاً من التعامل مع التحديات السياسية الحقيقية، وتتحول إلى وسيلة لشيطنة الخصوم.


بعد الحرب العالمية الثانية وتدمير الأنظمة الفاشية في أوروبا، لم يختف مصطلح "الفاشية" من الخطاب السياسي، بل شهدنا تحولاً في استخدامه. ظهرت حركات وجماعات وصفتها الجهات المنددة بها بأنها "فاشية جديدة"، مما سمح لهؤلاء المنددين بتقديم أنفسهم بفخر كـ "معادين للفاشية"، ووضعوا أنفسهم في "الجانب الصحيح من التاريخ" في مواجهة "أعداء" يستحقون الكراهية والإدانة المطلقة.

إن مصطلح "الفاشية الجديدة" بحد ذاته هو مفهوم غامض ومطاطي، يستخدم في الجدالات السياسية لجمع فئات مختلفة تحت مظلة واحدة. فهو يشمل أنصار الحركات الفاشية التاريخية، ومجموعات هامشية كارهة "للنظام"، وحالمين بالتطرف، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية التي توصف بأنها "يمينية متطرفة" أو "قومية" أو "شعبوية". في الخطاب السياسي اليومي، أدى هذا الاستخدام المرن للمصطلح إلى الخلط المتعمد بين "الفاشية" و"اليمين المتطرف" بشكل عام.

ما نشهده اليوم هو ما يمكن تسميته "معاداة الفاشية بدون فاشية"، أي أنه صراع ضد أشباح الماضي وبقاياه. الفكرة المحورية في خطاب معاداة الفاشية الجديد هو التحذير المستمر من "عودة" الفاشية، وتصويرها كأنها تتكرر أو تولد من جديد. يتم البحث عن أي تشابه، مهما كان ضئيلاً، بين الظواهر السياسية المعاصرة والأمس، لخلق انطباع بوجود تهديد "تفشي الفاشية" في المجتمعات الحديثة. الهدف هو تحويل هذا الاقتناع الأيديولوجي إلى عقيدة راسخة.

لقد أصبحت هذه المواقف "المعادية للفاشية" ملاذاً للتيارات اليسارية المعاصرة، التي فقدت مشروعها السياسي المتماسك بعد انهيار الوهم الشيوعي. تكمن ميزة هذا الخطاب في أنه يسمح بتوسيع دائرة "الشيطنة" لتشمل ليس فقط "اليمين المتطرف"، بل أيضاً التيارات اليمينية الليبرالية والمعتدلة. على سبيل المثال، يتهم بعض المفكرين اليساريين القادة الوسطيين بأنهم يمهدون الطريق لـ "اليمين المتطرف"، مما يضفي شرعية على خطابهم.

لهذا التيار لغته الخاصة ومصطلحاته المحدودة، ووظيفته هي نشر الصور النمطية السلبية عن الخصم السياسي. كما أن له طقوسه الاحتجاجية التي تعتمد بشكل أساسي على إثارة المشاعر السلبية مثل الخوف والكراهية. الهدف هو إخافة "الجماهير" لدفعها للتصرف في "الاتجاه الصحيح للتاريخ"، أي ضد "حاملي الكراهية" الذين يجب، بالمقابل، كرههم بضمير مرتاح. إن بنية معاداة الفاشية الجديدة تقوم على كراهية "نحن" (معادو الفاشية) للكراهية المفترضة لدى "الآخرين" (الفاشيين).

إن الانشغال بهذه المعارك الوهمية يمنعنا من فهم الحاضر وتفسيره. فالعالم يشهد موجة من المشاعر القومية التي تستدعي من المراقبين والباحثين التساؤل بجدية عن أسبابها، بدلاً من الاكتفاء بالغضب الأخلاقي والتنديد. إن تكرار شعارات مثل "القومية هي الحرب!" أو "الفاشية لن تمر!" أصبح أمراً مثيراً للسخرية. فكما قال الفيلسوف هرقليطس: "لا يغتسل المرء في النهر نفسه مرتين، ففي المرة الثانية، لم يعد النهر هو نفسه، ولم يعد الرجل هو نفسه". إن فهم الحاضر يتطلب أدوات تحليلية جديدة، وليس الاقتراض الكسول من مسارات الماضي البالية.

نبذة عن المؤلف

كريستينا - صحفية تكتب عن التنوع الثقافي في فرنسا. تكشف مقالاتها عن الخصائص الفريدة للمجتمع الفرنسي وتقاليده.