روائية فرنسية تحلل «صورة الأم» في المخيلة الجماعية: من التضحية المطلقة إلى ضغوط العصر

روائية فرنسية تحلل «صورة الأم» في المخيلة الجماعية: من التضحية المطلقة إلى ضغوط العصر

في كلمات قليلة

تستعرض الروائية الفرنسية صوفي دي بير، مؤلفة رواية «سر الأمهات»، كيف تغيرت صورة الأم في المجتمع والأدب منذ الخمسينيات. وتؤكد أن الأم لا تزال تُرى كرمز للحب المطلق والتضحية، ما يضعها تحت ضغط هائل لتكون مثالية. كما تناقش التحديات الحديثة للأمهات، مثل ضغوط التربية الواعية، وتغير نظرة المجتمع للأمومة خارج إطار الزواج.


تستكشف الروائية الفرنسية صوفي دي بير، في روايتها الجديدة «سر الأمهات»، التطور المعقد لصورة الأم في الوعي الجمعي، متتبعةً هذه الصورة عبر ثلاثة أجيال من النساء منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا. وفي حوار بمناسبة اقتراب عيد الأم، كشفت دي بير عن رؤيتها لكيفية تأثير هذا التحول على الأدب وتمثيلاتنا الاجتماعية.

صورة التضحية المطلقة

تقول صوفي دي بير: «في المخيلة الجماعية، تمثل الأم الحب المطلق. إنها صورة المرأة المستعدة لتقديم كل التضحيات، حتى على حساب حياتها. يحيط بها هالة من الخير والوداعة. هذه الصورة مصحوبة بمتطلبات هائلة: فالأم لا يمكن أن تكون متعبة، ناهيك عن أن تكون مسيئة، على سبيل المثال».

وتشير الروائية إلى أن الأمهات ينقلن إلى أطفالهن تراثاً غير مادي، يمكن أن يكون علاقة حسية من خلال صورة أو رائحة أو طعام معين. هذا الإرث، الذي يجمع بين الخصوصية والشمولية، هو ما يثير شغف الكتاب، ويدفعهم للتفكير في كيفية اكتشاف هذا الإرث وقبوله أو التحرر منه.

ضغوط الدور الاجتماعي

على الرغم من التطور الكبير في وضع المرأة، لا تزال هناك ضغوط اجتماعية غير معلنة تثقل كاهل الأمهات. «في الماضي، كانت الأم المثالية هي ربة المنزل التي تعتني بأطفالها. أما اليوم، فيمكنها أن تعمل، وتكون عزباء، وتفوض المهام المنزلية، وتعتمد على الأب أيضاً»، لكن الضغوط لم تختفِ.

وتوضح دي بير أن الضغط الأكبر يأتي حالياً من مفهوم «الأبوة والأمومة الواعية» أو «التربية الإيجابية». فمع وفرة الكتب والمدونات ووسائل التواصل الاجتماعي، تشعر الأمهات بعبء هائل لضمان رفاهية الطفل وتفوقه. فالمقارنة مع الأمهات الأخريات، اللاتي يبدون ملمات بكل تفاصيل التعليم والمسارات الأكاديمية، تولد شعوراً بالتقصير.

تغير نظرة المجتمع للأمهات العازبات

تستعرض الرواية موضوع «البنت الأم» (الأم العزباء) في ستينيات القرن الماضي، حيث كان من الصعب جداً على النساء عيش الأمومة خارج إطار الزواج، خاصة في الأوساط الريفية، وكان العار يلاحقهن حتى سبعينيات القرن الماضي. وتؤكد دي بير أن النظرة تغيرت كثيراً بفضل تشريع وسائل منع الحمل والإجهاض. وتضيف: «لحسن الحظ، لم يعد من العار المطلق تربية الأطفال بمفردها».

الأم في الأدب: شخصية محورية

ترى دي بير أن الأمومة موضوع حميم وعالمي وخصب للكتابة. وتؤكد أن العلاقة مع الأم هي ما يشكلنا في المقام الأول، وأن فهم شخصية ما في الأدب يتطلب معرفة طفولتها ومن أين أتت. «أعتقد أن الكائن هو نتاج عائلي قبل أن يكون نتاجاً اجتماعياً»، مشيرة إلى أن تصوير الأم يسمح لها أيضاً باستجواب أمومتها الخاصة.

كما تناولت الكاتبة في عملها شخصية «الأم السيئة»، مثل شخصية أوغسطين، وهي امرأة صامتة وقاسية مع أطفالها، لكنها تحبهم في أعماقها، وقد شكلتها قصتها الشخصية. وتشدد دي بير على ضرورة إيجاد توازن بين الأم الصديقة والأم التي تمثل السلطة، لبناء أساس مطمئن يساعد الطفل على مواجهة مستقبل غير مؤكد.

نبذة عن المؤلف

يوري - صحفي متخصص في قضايا الأمن والدفاع في فرنسا. تتميز مواده بالتحليل العميق للوضع العسكري والسياسي والقرارات الاستراتيجية.