
في كلمات قليلة
يكتشف الأزواج المعاصرون طريقة جديدة لإنهاء العلاقات تسمى «الإنهاء الجميل»، حيث يتم الانفصال تدريجياً وباحترام متبادل. يؤكد الخبراء أن هذا النهج يتطلب نضجاً عاطفياً ويسمح للطرفين بتجنب الكراهية والحفاظ على رابط عائلي أو ودي، خاصة في وجود الأطفال.
لطالما ارتبطت قصص الحب الأسطورية بنهايات مأساوية، حيث يترك الهجر المفاجئ والقطيعة القاسية أبطالها محطمين. لكن في الواقع المعاصر، هناك نوع من «الإنهاء الجميل» للعلاقات، وهو انفصال يتسم بالاحترام والكياسة والهدوء. هذه النهايات السلمية نادراً ما تحظى بالاهتمام، لكنها تبعث الأمل في نفوس كل من يجد نفسه على مفترق طرق في حياته العاطفية.
تُعد قصة كليمنتين (45 عاماً) مثالاً على ذلك. بعد ستة عشر عاماً من الزواج وإنجاب ابنتين، شعرت هي وزوجها أن مساراتهما بدأت تتباعد. هو أصبح أكثر ميلاً للهدوء والبيت، وهي تبحث عن المغامرة والسفر. تدريجياً، تضاءلت لحظات المشاركة، وفقد الزوجان متعة الحديث اليومي. تعترف كليمنتين ببساطة: «لم نعد نستمتع بوجودنا معاً». وعلى الرغم من ندرة الخلافات، تحول الحب إلى شيء آخر. في النهاية، اتخذ الزوج المبادرة «الشجاعة»، كما تصفها كليمنتين، لإنهاء العلاقة دون ضغينة. وتتذكر: «في أحد الأيام جلسنا، وقال لي إن علينا أن نتوقف عن إجهاد أنفسنا. شعرت بارتياح هائل في أعماقي».
أما أنطوان (36 عاماً)، فقد شعر بالارتياح ذاته بعد انتهاء علاقته التي دامت ثماني سنوات. يقول: «حاولنا كل شيء لكي نستمر معاً، لكن الأمر لم ينجح. كنت أشعر بسوء حقيقي في الأشهر الأخيرة». عندما أعلن لرفيقته عن قراره بالانفصال، تبادلا العناق والبكاء قليلاً، وفي اليوم التالي ناقشا الأمر لساعات طويلة. «قلنا كل شيء دون عداء، حتى الأشياء التي لم نتمكن من التعبير عنها لسنوات! لم يعد هناك ما نخسره، فتمكنا من التعبير عن كل شيء»، يؤكد أنطوان، مشيراً إلى أن قصتهما انتهت بأفضل طريقة ممكنة.
يفرق الطبيب النفسي كريستيان زاتشيك بين «القطيعة» (المفاجئة والعنيفة) و«الانفصال» (التدريجي والممتد). فالقطيعة المؤلمة تجمع بين فقدان الشريك وجرح الحب المفقود وإهانة الذات، مما يترك مرارة قد تدفع إلى إعادة كتابة التاريخ المشترك بصورة سلبية. في المقابل، تؤكد عالمة النفس أنييس فيروست أن النهايات الناجحة تتم «دون ازدراء أو كراهية أو إنكار للسنوات المشتركة»، خاصة عندما لا يهاجم أي طرف نقاط ضعف الآخر. إن تجربة كليمنتين وأنطوان كانت «انفصالاً»؛ حيث كان حداد الحب قد بدأ بالفعل قبل الخطوة النهائية، مما سهل الابتعاد وحافظ على الذكريات الجميلة سليمة.
وفي بعض الأحيان، لا يتحقق الود إلا بعد فترة. تروي كونستانس (44 عاماً) أنها بعد انفصالها عن جوليان، استمعت إليه وساعدته في إيجاد سكن. ومع مرور السنوات، تحولت علاقتهما. تقول: «الحب لم يرحل، بل تحولت صلتنا ببساطة. اليوم، عندما يكون في أسوأ حالاته، يتصل بي، وأنا أعلم أنني أستطيع أن أقول له كل شيء. هو بمثابة عائلتي».
وتسعى الفيلسوفة فابيان بروجير، في كتابها «التوقف عن الحب»، للإجابة على سؤال أين يذهب الحب؟ وتذكرنا برؤية الفلاسفة اليونانيين القدامى لأنواع الحب المختلفة: إيروس (الحب العاطفي)، وفيليا (حب الصداقة)، وأغابي (الحب العميق). وتشدد بروجير على صعوبة التحرر من النظرة الرومانسية الشغوفة للعلاقات، حيث يروج المجتمع لفكرة أن الحب الرومانسي هو القيمة الأسمى والأبدية.
يشجع الخبراء على نزع صفة المأساوية عن الانفصال. فهو ليس فشلاً، بل فرصة للانتقال وبناء شيء جديد. وتؤكد المدربة فانيسا سيف أن الآباء المنفصلين والسعداء أفضل بكثير لأطفالهم من الآباء التعساء تحت سقف واحد. كليمنتين وزوجها السابق، على سبيل المثال، أجّلا إجراءات الطلاق الرسمية، وركزا على بناتهما، حيث كانا يتناوبان على الإقامة في الشقة العائلية. وتختتم كليمنتين حديثها قائلة: «أخبرنا بناتنا أننا وعدنا بعضنا البعض عند الزواج بألا نجبر أنفسنا على البقاء معاً إذا لم نعد نرغب في ذلك. كانت هذه طريقة جميلة لنؤكد لهن أهمية الحرية». إن النهايات الكريمة، التي تتطلب «سخاء معيناً» ونضجاً عاطفياً، تحفر في القلب ما يمكن تسميته «ندوباً جميلة»؛ وهي ذكريات ثمينة تشهد على ما كان قوياً وجميلاً.