
في كلمات قليلة
كشف بحث أثري حديث في بيرو عن وجود آثار لمواد مخدرة على قطع أثرية تعود لحضارة شافين القديمة. تشير الدراسة إلى أن الطبقة الحاكمة استخدمت هذه المواد ضمن طقوس لترسيخ نفوذها والظهور بمظهر المتصل بالآلهة.
في موقع شافين دي هوانتار الأثري في بيرو، المدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو والواقع على بعد 435 كيلومتراً من ليما، اكتشف علماء الآثار قطعاً أثرية تحمل آثار نيكوتين ومواد أخرى. ووفقاً لدراسة جديدة نشرها باحثون، فإن الطبقة الحاكمة في حضارة شافين التي سبقت حضارة الإنكا، وازدهرت في منطقة الأنديز بين حوالي عامي 1500 و 300 قبل الميلاد، ربما استخدمت مواد ذات تأثير نفسي لإقناع السكان بقدراتها الخارقة وتعزيز سيطرتها.
جاءت هذه الدراسة بعد اكتشاف حجرة مغلقة داخل موقع شافين دي هوانتار. عُثر في هذه الحجرة على نحو 23 قطعة أثرية منحوتة من العظام والأصداف. من بين هذه المكتشفات، لفتت أنابيب استنشاق البودرة، التي بحجم السيجارة، انتباهاً خاصاً.
أظهر التحليل الكيميائي والمجهري لهذه القطع وجود آثار نيكوتين - وهو قلويد سام يوجد بشكل رئيسي في نبات التبغ - وكذلك آثار بذور فيلكا، وهو مادة مهلوسة مرتبطة بمادة DMT. توجد مادة DMT بشكل طبيعي في النباتات والحيوانات والبشر، ويُعتقد أن استهلاكها يحاكي تأثيرات تجربة الاقتراب من الموت، وفقاً لبعض الدراسات.
لكن ما يثير اهتمام المؤرخين ليس المخدرات نفسها - وهي الأقدم التي يتم العثور عليها في أراضي بيرو - بل الأسباب التي دفعت نخبة ما قبل الإنكا لاستهلاكها. ففي حين أن العديد من الحضارات القديمة الأخرى، مثل الأولمك، والمايا، والأزتك، والإنكا، كانت تنظر إلى استخدام المواد المهلوسة على أنه ممارسة ترفيهية، يعتقد الباحثون أن هذه المواد كان لها معنى مختلف تماماً لدى حضارة شافين.
يشير مؤلفو الدراسة إلى أن القادة استخدموا هذه المواد لفرض وإدامة سلطتهم. ولتعزيز هذه الفرضية، يشيرون إلى مكان اكتشاف القطع الأثرية: عُثر على أنابيب الاستنشاق في حجرات خاصة، مما يعني أن الوصول إليها كان محدوداً، ربما على نخبة عبادة شافين فقط.
وفقاً لعالم الأنثروبولوجيا المشارك في تأليف الدراسة، دانييل كونتريراس، فقد استخدمت الأنابيب «كمستنشقات لاستخدام التبغ عن طريق الأنف». ويؤكد في دراسته أن «استهلاك المواد ذات التأثير النفسي لم يكن مقصوراً على الرؤى فحسب»، بل كان «جزءاً من طقس مُتحكم فيه بشكل صارم، وربما كان مخصصاً لعدد قليل من المتميزين، مما عزز مكانتهم في الهيكل الاجتماعي».
حسب النظرية، كانت نخبة شافين تتناول المخدرات لتغيير حالة وعيها بهدف إقناع «رعاياها» بأنهم على اتصال مباشر بالآلهة (مثل الإله لازون، المسؤول عن المحاصيل الجيدة) وأنهم يمتلكون قدرات خارقة. كما ساعدتهم هذه الممارسة، وهذا السعي وراء «الجنة الاصطناعية»، على فرض شكل من أشكال السلطة الصوفية على شعبهم. يعتقد المؤرخون أن شعب ما قبل الإنكا، الذي كان يعبد قادته الذين يبدون كأنصاف آلهة في حالة هلوسة، هو الذي بنى آثار شافين دي هوانتار. يقدر الباحثون اليوم أن نتائج عملهم يمكن أن تساعد في تحليل استهلاك المخدرات في مجتمعات قديمة أخرى، مثل حضارة الإنكا، التي ظهرت إمبراطوريتها الشاسعة بعد حوالي 2000 عام.
يلقي اكتشاف هذه القطع الأثرية والنظرية المطروحة ضوءاً على الممارسات الاجتماعية والطقسية المعقدة للحضارات القديمة في بيرو، ويظهر كيف يمكن للسلطة أن تتعزز ليس فقط بالقوة، بل أيضاً بالغموض والتحكم في الوعي.