الفيلسوف تريستان غارسيا: الانهيار الداخلي هو نتيجة استغلال الطاقة البشرية لأهداف اقتصادية

الفيلسوف تريستان غارسيا: الانهيار الداخلي هو نتيجة استغلال الطاقة البشرية لأهداف اقتصادية

في كلمات قليلة

تحليل الفيلسوف تريستان غارسيا لهوس العصر الحديث بـ «الحياة المكثفة» وكيف أن هذا السعي وراء المشاعر القوية يؤدي إلى الانهيار الداخلي والإرهاق الوجودي نتيجة الاستغلال الاقتصادي للطاقة البشرية.


في حوار فلسفي عميق، يطرح الفيلسوف الفرنسي تريستان غارسيا، مؤلف كتاب «الحياة المكثفة: هوس العصر الحديث»، رؤية نقدية حول سعينا المحموم وراء المشاعر القوية والمُثل العليا. ويؤكد غارسيا أن ظواهر الانهيار الداخلي والإرهاق الوجودي التي يعاني منها الإنسان المعاصر هي نتاج مباشر لاستغلال طاقة الأفراد ووقتهم لخدمة الأهداف الاقتصادية.

من الكهرباء إلى هوس «الحياة المكثفة»

يشير غارسيا إلى أن فكرة «التكثيف» (Intensity) بدأت تتغلغل في الوعي الجماعي منذ القرن الثامن عشر، متزامنة مع ترويض التيار الكهربائي. لقد تحولت الكهرباء إلى استعارة قوية ومحفزة، تمثل التدفق والحيوية والتحول، وأصبحت رمزاً لكل ما هو حيوي وعاصف ولا يمكن إخضاعه للحسابات العقلانية الصارمة للحداثة.

كان الوعد الذي حملته «الكثافة» هو أنها تمثل القوة الكامنة التي لا يمكن قياسها، والقيمة التي لا يمكن تقييمها. ورغم أن هذه القوة أصبحت قابلة للقياس سريعاً، إلا أن صورتها الساحرة بقيت. وأصبح مصطلح «مكثف» أو «شديد» يدل على شيء مرغوب فيه وقوي، يمنح الحياة قيمتها ومعناها.

أبطال الكثافة: من الليبرالي إلى نجم الروك

لقد جسد هذا الخطاب المكثف شخصيات نموذجية عبر التاريخ. يرى غارسيا أن أول هذه الشخصيات كان الليبرالي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، الذي اختبر كثافة العالم على جسده. تلاه الرومانسي في القرن التاسع عشر، الذي بحث عن «الكهرباء» في الطبيعة وفي أعماقه. وفي القرن العشرين، أصبح هذا المثَل أكثر ديمقراطية، متمثلاً في المراهق ونجم الروك، حيث تضخمت هرمونات الجسم بفعل كهربة الغيتار وظهور ثقافة الشباب الغربية.

ثمن الاستنزاف الوجودي

في العصر الحديث، يتأرجح الأفراد بين حالة «الجهد الأقصى» والانهيار الداخلي. يوضح الفيلسوف أن هذا التعب المعاصر من الذات هو ثمن هذا العصر المكثف:

«إن ظواهر الانهيار الداخلي، والإرهاق الوجودي، والاكتئاب... هي آثار استغلال طاقة الأفراد ووقتهم لأغراض اقتصادية. إنها أعراض استنزاف للفردية التي تواجه متطلبات الكثافة اللامتناهية بجسد محدود».

ويشبه غارسيا هذا الاستنزاف باستنفاد المعادن من الأرض: «كما نستنزف الأرض من معادنها، نستنزف الأجساد من كثافتها». وللحفاظ على الذات من الاحتراق، يدعو غارسيا إلى «المقاومة»؛ أي القدرة على معارضة تدفقات الكثافة التي تخترق الجسد، لكي لا يحترق.

نبذة عن المؤلف

إيلينا - صحفية تحقيقات ذات خبرة، متخصصة في المواضيع السياسية والاجتماعية في فرنسا. تتميز تقاريرها بالتحليل العميق والتغطية الموضوعية لأهم الأحداث في الحياة الفرنسية.