
في كلمات قليلة
مقابلة مشتركة مع مصممة الرقصات بلانكا لي والفيلسوف ألكسندر لاكروا، يناقشان فيها دمج الرقص مع الواقع الافتراضي، ودور العاطفة في الأداء الفني، وكيف يعكس الجسد الراقص أعمق المعاني الإنسانية.
في حوار مشترك يجمع بين الفن والفلسفة، التقت مصممة الرقصات الشهيرة بلانكا لي والفيلسوف ألكسندر لاكروا، مؤلف كتاب عن فلسفة الجسد المتحرك، لمناقشة التطورات الجديدة في عالم الرقص، لا سيما دمج الواقع الافتراضي والمعزز مع الأداء الحي.
الواقع الافتراضي والرقص: مزيج غير مسبوق
توضح بلانكا لي أن دمج الواقع المعزز في عروضها يفتح آفاقاً جديدة وغير مسبوقة للخيال. وتعود بذاكرتها إلى عام 2013 عندما جربت سماعة الواقع الافتراضي لأول مرة، حيث ربطت الحركة الافتراضية فوراً بفن الرقص. وقد أثمر هذا الشغف عن أعمال مثل فيلمها "Blanca Li 360°" وعرضها "Le Bal de Paris" الذي يعود قريباً. في هذا العرض، يشارك عشرة مشاهدين في تجربة افتراضية حالمة، لكنهم يُقادون بأيدي راقصين حقيقيين، مما يمزج بين قوة السينما وحيوية الأداء الحي.
يعلق لاكروا على هذا التوجه بأن استخدام مساحة الواقع الافتراضي لتمثيل ما لا يمكن إدراجه في الحياة الاجتماعية اليومية يبدو طليعياً، لكنه في الحقيقة يندرج ضمن التقاليد الأصيلة للفنون الأدائية، التي بدأت بالمسرح القديم حيث كان "المسرح الأمامي" يمثل بالفعل مستوى آخر من الواقع.
قوة الحضور الجسدي مقابل التقنية
على الرغم من استخدامها للتقنية، تؤكد لي أن الوجود المادي للراقصين يبقى عنصراً حاسماً. يتم تسجيل حركات الراقصين عبر أجهزة استشعار ونقلها إلى صور رمزية (أفاتار)، لكن التفاعل الحي بين الراقصين الحقيقيين والأفاتار هو ما يخلق التميز. وتشدد على أن "الجسد، وصوت حضوره في الفضاء، والتنفس المصاحب لحركاته، أقوى من أي شيء آخر". الواقع الافتراضي يثري العرض الحي، لكنه لا يضيف شيئاً جوهرياً للرقص نفسه.
يشير لاكروا إلى أن هذا التجريد يذكرنا بأفكار ميرس كانينغهام، الذي سعى لجعل الرقص أكثر تجريداً وتحريراً من السياقات الاجتماعية. في عروض لي، مثل "الظل" (L’Ombre)، يجد الجمهور نفسه في حالة من التيه، لا يعرف أين يوجه نظره: هل يراقب البشر أم الأفاتار؟ هذا التشتيت، الناتج عن التكنولوجيا، يدفع الرقص نحو التجريد المطلق، ويضع الجمهور في حالة جديدة من استقبال العواطف.
الجسد الأمثل والعاطفة
يتطرق لاكروا إلى ملاحظاته حول راقصي الأوبرا المعاصرين، مشيراً إلى أن أجسادهم أصبحت "مُحسّنة" ومصقولة بشكل مفرط بفضل البيئة التكنولوجية الحديثة، لدرجة تقترب من أجساد "الروبوتات". ويثير تساؤلاً فلسفياً: كيف يمكن إنقاذ العاطفة في ظل هذا الجمال الجسدي المفرط؟ هل لا تزال "الاهتزازات البشرية" تنتقل عبر هذه الأجساد المثالية؟
ترد بلانكا لي بأن التقنية دون عاطفة لا تثير اهتمامها. وتؤكد أنها تختار راقصيها بناءً على قدرتهم على نقل المشاعر وتجسيد الشخصيات، وليس فقط لمهاراتهم التقنية. بالنسبة لها، العاطفة يجب أن تظل هي الأولوية. وتضيف أنها لم تعد تميز بين الذكورة والأنوثة في الرقص، بل ترى "أجساداً" فقط، تختبر عليها الحركات دون قيود جندرية، ما عدا في الأدوار الكلاسيكية المحددة.
الانضباط يقود إلى التحرر
يتفق الاثنان على أن الرقص يمثل توازناً دقيقاً بين الانضباط والحرية. يصف لاكروا الرقص بأنه يتطلب انضباطاً متواصلاً، على عكس الكتابة التي يمكن التوقف عنها مؤقتاً. وتوضح لي أن الحرية في الرقص لا تتحقق إلا بعد سنوات طويلة من التدريب الشاق وإتقان التقنية. وعندما يصل الراقص إلى مرحلة التحرر، يشعر "بالامتلاء، والفرح الداخلي، وهذا الشعور المذهل بالقدرة على عيش شيء فريد وكأن الروح انفصلت عن الجسد".
في هذا المستوى، يصبح الجسد آلياً، مما يحرر العقل ليتبع الحدس. وتضيف لي أن جزءاً من خصوصية عملها هو الانفصال عن الموسيقى، حيث لا يرقص الراقصون دائماً في اندماج كامل معها، مما يمنحهم حرية أكبر في التعبير عن طاقتهم وتفسيرهم الخاص.
لغة الجسد الجماعية والذاكرة
يختتم لاكروا بالاستشهاد بالشاعر الفرنسي بول فاليري الذي وصف الرقص بأنه "مجموعة من الحركات الإرادية التي لا تهدف لغاية"، أي أن الحركة هي غاية في حد ذاتها، تُنفذ لجمالها وتعبيرها. الراقص ينحت المدة الزمنية أكثر من نحته للمساحة.
وتؤكد لي على أهمية "جماعة الباليه" (corps de ballet)، حيث يتكيف الراقصون بشكل حدسي مع بعضهم البعض، ولديهم إحساس بزاوية 360 درجة بما يحدث حولهم. ويشير لاكروا إلى أن هذا الترابط الجماعي يغذي "لغة الجسد التي تعلمنا كيف نتصرف بشكل أفضل" في الحياة، من خلال اللمسة اللبقة والإشارات الدقيقة التي تعزز التماسك.
أما عن ذاكرة الحركة، فتوضح الأبحاث في علم الأعصاب أن ذاكرة الرقص ليست بصرية بالدرجة الأولى، بل هي "ذاكرة حسية عميقة" (proprioceptive)، مرتبطة بالذاكرة الداخلية للجسد. وتستخدم لي المرايا في البداية لضبط التقنية، ثم تطلب من الراقصين إدارة ظهورهم للمرآة لاستيعاب الحركة داخلياً، ليصبح الراقص في النهاية "في الداخل والخارج" في آن واحد.