«دار تقاعد الشباب»: ظاهرة صينية جديدة تُثير الجدل.. لماذا يترك الشباب وظائفهم قبل سن الثلاثين؟

«دار تقاعد الشباب»: ظاهرة صينية جديدة تُثير الجدل.. لماذا يترك الشباب وظائفهم قبل سن الثلاثين؟

في كلمات قليلة

في مواجهة ثقافة العمل المرهقة والضغوط الاقتصادية، يتبنى الشباب الصينيون ظاهرة «التقاعد المبكر» أو أخذ إجازات مهنية طويلة، حيث ينتقلون للعيش في نزل هادئة في الأرياف، مثل دالي. هذا التوجه، المرتبط بحركات مثل «الاستلقاء» (Tangping)، يهدف إلى استعادة الصحة العقلية وإعادة تقييم الحياة، لكنه يتعارض مع الدعوات الحكومية للعمل الجاد.


في الوقت الذي تُعد فيه الإجازات المهنية الطويلة أمراً مألوفاً نسبياً في الغرب، تظل هذه الممارسات هامشية في الصين، حيث تنتقد السلطات أنماط الحياة الخاملة وتُمجّد التضحيات لخدمة الازدهار الاقتصادي للبلاد. لكن جيلاً جديداً من الشباب الصينيين قرر النزول من «السير المتحرك» للعمل، متجهاً نحو ما يُطلق عليه «التقاعد الأخضر» لإعادة ترتيب حياتهم.

وانغ دونغ، البالغ من العمر 29 عاماً، هو واحد من هؤلاء. لم يعمل منذ عدة أشهر، ويقضي أيامه في نزل بسيط يفكر في خطوته المهنية التالية. بعد أن سئم من وظيفته في قطاع الفنادق، استقر وانغ في هذا النزل الذي يُطلق على نفسه اسم «دار تقاعد الشباب» في مدينة دالي الهادئة بمقاطعة يونان جنوب غرب الصين.

البحث عن مساحة ذهنية

في مواجهة الصعوبات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب (التي تجاوزت 15% بين الفئة العمرية 16-24 عاماً)، يرد بعض الشباب على هذا الواقع بالبحث عن مساحة ذهنية للتعافي من الإجهاد المهني أو التفكير في طرق أخرى للمساهمة في المجتمع. يقول وانغ دونغ: «يجب أن نعرف كيف نولي اهتماماً للحاضر. لقد أتاحت لي هذه الفترة أن أعيش أشياء لا تُقاس مادياً».

يقضي وانغ وقته الآن بين زيارة معبد مجاور، وممارسة طقوس إعداد الشاي التقليدي، والقيام برحلات مع أصدقاء جدد، والراحة. يخطط للبقاء شهراً آخر على الأقل، ويؤكد أنه ليس لديه «أي خطط محددة لما تبقى من حياته».

ازدهار «دور تقاعد الشباب»

منذ العام الماضي، تضاعفت المنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي الصينية حول «دور تقاعد الشباب»، التي تعد بمتنفس من إرهاق الحياة الحضرية. تقع هذه المؤسسات بعيداً عن المراكز الحضرية الكبرى، وتؤجر غرفاً لعدة أسابيع أو حتى أشهر، وغالباً ما تقدم أنشطة جماعية هادئة. وقد ازدهر العديد من هذه الأماكن حول دالي، وهي بلدة صغيرة وهادئة لطالما كانت ملاذاً للأرواح البوهيمية.

يان بينغيي، مؤسس «دار تقاعد الشباب» التي يقيم فيها وانغ دونغ، يبلغ من العمر 37 عاماً، ويقول إنه يختار المقيمين بعناية: «أقبل فقط أولئك الذين من الممتع التحدث معهم، حتى لا ينضب الحديث وتكون هناك شرارة أو صدى بينهم». في هذا النزل، يقضي المقيمون أوقاتهم في الاسترخاء في الفناء المشمس، وتصفح هواتفهم، وتبادل النكات. يقول يان: «علينا جميعاً مواجهة ضغط اجتماعي غير مرئي في الحياة، ويصبح الأمر صعباً عندما يصل إلى عتبة معينة. ما العمل إذن؟ يجب أن تخرج وتوسع آفاقك وتسترخي».

«أكل المرارة» وقلق الحزب الشيوعي

تتزامن هذه الظاهرة مع ركود اقتصادي مستمر منذ نهاية الجائحة، وتُعد امتداداً لحركات اجتماعية سابقة مثل «تانغبينغ» (Tangping - الاستلقاء) و«بايلان» (Bailan - ترك الأمور تتعفن)، التي ترفض ثقافة العمل المنهكة وتُعلي من قيمة الهدوء والرفاهية العقلية. ويبدو أن هذه السلوكيات تُثير قلق الحزب الشيوعي الصيني (CCP) الحاكم، الحريص على الحفاظ على الزخم النشط الذي دفع البلاد لتصبح قوة اقتصادية عظمى عالمياً.

في عام 2023، صرح الزعيم شي جين بينغ بأن الشباب يجب أن يكونوا مستعدين «لأكل المرارة»، وهو تعبير شائع يعني العمل الجاد. وعلى الرغم من أنه تبنى لاحقاً نبرة أكثر تصالحية، داعياً إلى خلق وظائف ذات جودة أفضل، إلا أن العديد من مديري النزل يأسفون لربط المجتمع الصيني بين «دور تقاعد الشباب» والكسل. ويأمل يان بينغيي أن يتمكن الناس بعد إقامة قصيرة من «التكيف مع حياتهم، دون الوصول إلى نقطة يسحقهم فيها ضغط المدينة تماماً».

ومع ذلك، لا يختار الجميع الانسحاب الكامل. فقد اختار تشين تشيانكون، البالغ من العمر 21 عاماً، توجيه طاقته نحو أهداف توافق عليها السلطات، مشاركاً في تطوير قرية دونغوانغ القديمة بالقرب من بكين. لطالما سعت الحكومة الصينية إلى «تنشيط» المناطق الريفية التي هُجرت وتُركت بعيداً عن الطفرة الاقتصادية. يرى تشين أنه لا ضرر من «الاستلقاء» مؤقتاً، لكن يجب مقاومة الخمول على المدى الطويل، وإلا فإن «موجة كاملة من الشباب قد ترغب حقاً في التقاعد».

نبذة عن المؤلف

ناتاليا - صحفية اجتماعية، تغطي قضايا الهجرة والتكيف في فرنسا. تساعد تقاريرها السكان الجدد في فهم البلاد وقوانينها بشكل أفضل.