
في كلمات قليلة
المستكشفة الفرنسية إيزابيل أوتيسييه تتحدث عن كتابها الجديد الذي يروي قصة أرنارولونغواك، وهي امرأة إنويتية رائدة من غرينلاند. تكشف أوتيسييه عن حياة الإنويت القاسية ورحلتهم الاستكشافية التاريخية عام 1921، مشددة على أن فلسفتهم في عدم التراكم والشعور بالانتماء إلى الطبيعة تقدم درساً حاسماً لمواجهة الأزمة البيئية المعاصرة.
في كتابها الجديد "ابنة الشتاء العظيم" (La Fille du grand hiver)، تروي إيزابيل أوتيسييه، أول امرأة أبحرت حول العالم بمفردها والرئيسة الفخرية لمؤسسة الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) في فرنسا، القصة المذهلة لامرأة رائدة أخرى: أرنارولونغواك، وهي شابة إنويتية عاشت في أوائل القرن العشرين.
في عام 1921، انطلقت أرنارولونغواك في رحلة استكشافية جريئة عبر القطب الشمالي الكبير مع المستكشف الدنماركي الشهير كنود راسموسن، بهدف لقاء الشعوب "التي تعيش وراء البحر". استغرقت الرحلة أكثر من ثلاث سنوات، قطعت خلالها آلاف الكيلومترات بالزلاجات من شمال غرب غرينلاند إلى أقصى حدود ألاسكا، وخلّفت عملاً إثنوغرافياً بارزاً حول سكان المنطقة القطبية، ما جعلها واحدة من الشخصيات النسائية النادرة في تاريخ غرينلاند.
امرأة من الكوخ الجليدي تكسر التابوهات
تقول أوتيسييه إن اهتمامها بأرنارولونغواك نبع من رحلاتها البحرية المتكررة على طول الساحل الغربي لغرينلاند. وتصفها بأنها شخصية فريدة وغير نمطية، إذ من النادر أن تصل امرأة ولدت في كوخ جليدي في نهاية القرن التاسع عشر في أقصى الشمال إلى هذا القدر من الشهرة.
وتسلط الكاتبة الضوء على الظروف القاسية لحياة الإنويت في تلك الحقبة. ففي سن السابعة، كادت أرنارولونغواك أن تُضحّى بها من قبل والدتها. وتوضح أوتيسييه أن هذا الفعل، على الرغم من قسوته الظاهرة، يجب وضعه في سياق ندرة الموارد، حيث كان الموت جوعاً أمراً وارداً في حال فشل الصيد. وفي ظل هذه الظروف، كان يتم التضحية ببعض الأفراد لإنقاذ المجموعة، وكان الأولوية للباقين هي للصيادين والذكور، بينما كانت الفتيات الصغيرات الأقل "فائدة" في نظر المجتمع. وقد نجت أرنارولونغواك بفضل تدخل شقيقها الأصغر.
صدمة التراكم المادي
كانت مغادرة أرنارولونغواك لقريتها في ثولي بعد وفاة زوجها أمراً غير مسبوق. فقد رفضت العودة، مصرة على لقاء "أسلافها الأحياء"، إيماناً منها بأن شعبها جاء من الغرب (كندا). وافق راسموسن على مرافقتها لمعرفته بشجاعتها وذكائها.
من أهم ما بقي من أرنارولونغواك هو ملاحظاتها حول صدمتها من نمط الحياة الغربي. لقد صدمتها رؤية الشعوب في غرب كندا تبدأ في "تراكم الممتلكات". فكل شيء أصبح يُباع ويُشترى، حتى الأساطير التي كان يبيعها كبار السن مقابل 25 دولاراً للقصة. وعندما عبرت الولايات المتحدة في طريق العودة، أعربت عن دهشتها من طريقة عيش الغربيين.
فلسفة الانتماء إلى الطبيعة
ترى أوتيسييه أن قصة أرنارولونغواك مهمة اليوم، خاصة في ظل سعي غرينلاند للاستقلال عن الدنمارك. فإبراز شخصيات تاريخية غير بيضاء يمثل استعادة للتاريخ وإثباتاً بأن الإنجازات الكبرى لم تقتصر على المستكشفين الأوروبيين.
وتؤكد أوتيسييه أن أهم درس يمكن أن نتعلمه من الإنويت هو فلسفتهم في التعامل مع الطبيعة: «إنهم يشعرون بأنهم ينتمون إلى الطبيعة، ويأخذون منها ما يحتاجونه فقط، ولا يراكمون الممتلكات». وتضيف أن هذه الرؤية مفقودة في عالمنا المعاصر، الذي ينهب الطبيعة ويسرف في استغلالها. وتختتم قائلة: «إذا ألحقنا الضرر بالطبيعة، فإننا ندمر أنفسنا. ومن مصلحتنا أن نستلهم من فلسفة حياة أرنارولونغواك وشعبها».