سابستاك: المنصة الأمريكية التي تعيد إحياء المدونات وتنافس عمالقة التواصل الاجتماعي بالاشتراكات المدفوعة

سابستاك: المنصة الأمريكية التي تعيد إحياء المدونات وتنافس عمالقة التواصل الاجتماعي بالاشتراكات المدفوعة

في كلمات قليلة

تحليل لمنصة سابستاك التي تعيد إحياء نموذج المدونات القديم من خلال نظام الاشتراكات المدفوعة، مما يمنح صناع المحتوى استقلالية مالية وحرية تعبير.


تواصل منصة "سابستاك" (Substack) الأمريكية، المتخصصة في استضافة النشرات الإخبارية (Newsletters)، صعودها السريع لتصبح الوجهة الجديدة لصناع المحتوى والكتاب الباحثين عن الحرية والربح المباشر. تأسست المنصة في عام 2017 في الولايات المتحدة، وتُعتبر اليوم بمثابة الوريث الروحي لمدونات الإنترنت التي ازدهرت في العقد الأول من الألفية الجديدة.

يستند نجاح "سابستاك" إلى نموذج عمل فريد يعتمد على الاشتراكات المدفوعة، مما يتيح للمؤلفين بناء علاقة مباشرة وموثوقة مع جمهورهم. وقد أعلنت المنصة في مطلع عام 2025 عن تجاوزها حاجز 5 ملايين اشتراك مدفوع عالمياً، مسجلة نمواً كبيراً مقارنة بـ 3 ملايين اشتراك في فبراير من العام نفسه. ويظهر هذا النمو بشكل خاص في فئة الموضة والجمال، حيث ارتفع عدد الاشتراكات بنسبة 80%، ويحقق الناشرون في هذا المجال مجتمعين أكثر من 10 ملايين دولار سنوياً من الاشتراكات.

نموذج العمل: الحرية والربح المباشر

تأسست "سابستاك" على يد ثلاثة أشخاص من سان فرانسيسكو: المهندس كريس بيست، والمطور جيراج سيثي، والصحفي السابق هاميش ماكنزي. الفكرة بسيطة: تمكين الكتاب المستقلين، ومقدمي البودكاست، وغيرهم من صناع المحتوى من نشر أعمالهم وتحقيق الدخل من خلال الاشتراكات المدفوعة. لا يقتصر المحتوى على النصوص فقط، بل يشمل الصور ومقاطع الفيديو والبودكاست. ومن أبرز نجوم المنصة الفنانة باتي سميث، التي تشارك مذكراتها ومقاطع فيديو عن حياتها ورحلاتها مع أكثر من 155 ألف مشترك.

المنصة مجانية بالكامل حتى يقرر الكاتب تفعيل خيار الاشتراكات المدفوعة، وحينها تستقطع "سابستاك" عمولة قدرها 10% من إجمالي الإيرادات. وتفيد تقارير المنصة بأن كبار الكتاب فيها يحققون إيرادات سنوية تتجاوز مليون دولار، ما يؤكد جاذبيتها كـ "أرض ذهبية" جديدة للصحفيين والأكاديميين والمبدعين الساعين إلى الاستقلال المالي وحرية التعبير بعيداً عن قيود هيئات التحرير التقليدية.

العودة إلى الأصالة والثقة

في عام 2023، أطلقت "سابستاك" خاصية "ملاحظات سابستاك" (Substack Notes)، وهي مساحة للمحتوى القصير والتفاعل بين الكتاب والقراء. لكن القيمة الحقيقية للمنصة تكمن في ابتعادها عن نموذج الإعلانات المتقلب. ويشعر "الكاتبون على سابستاك" (Substackers) الذين يفرضون رسوماً على اشتراكاتهم بحرية أكبر لأنهم لا يعتمدون على سوق الإعلانات أو الشراكات التجارية غير المتسقة.

وتشدد المنصة على أن مفهومها يقوم على الدعم المباشر من القراء، مما يعني أن "الأشخاص إذا دفعوا مقابل نشرتك الإخبارية، فهذا يعني أنهم يقدرون عملك حقاً. إنها طريقة أكثر صدقاً وإنسانية لتنمية جمهورك عبر علاقات الثقة"، وفقاً لمسؤولي المنصة. هذا ما جذب شخصيات مثل غارانس دوريه، رائدة المدونات الفرنسية، التي وجدت في نموذج الدفع وسيلة لحماية نفسها وإعادة بناء "دائرة حميمة وداعمة" من القراء المهتمين حقاً بمحتواها.

تحديات المستقبل

بالإضافة إلى كونها ملاذاً للكتاب، أصبحت "سابستاك" أيضاً رائدة في تحديد الاتجاهات، خاصة في عالم الموضة. فقد ظهرت العديد من الصيحات الرائجة، مثل حقيبة كروس بودي من Uniqlo، كـ "ضربات" ناجحة بعد التوصية بها في النشرات الإخبارية على المنصة. ويرى الخبراء أن "سابستاك" تتطلب مستوى أعلى من الكتابة والعمق مقارنة بمنصات التواصل الاجتماعي الأخرى.

وعلى الرغم من طموح المنصة بأن "أفضل الأعمال الثقافية في عصرنا ستُصنع على سابستاك"، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة. يجب عليها إيجاد آليات لتنظيم الأخبار الكاذبة والخطابات المتطرفة، بالإضافة إلى التعامل مع المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، الذي يشير تقرير لمجلة "وايرد" الأمريكية إلى أنه قد استولى بالفعل على حوالي 10% من النشرات الإخبارية الأكثر مشاهدة.

نبذة عن المؤلف

إيلينا - صحفية تحقيقات ذات خبرة، متخصصة في المواضيع السياسية والاجتماعية في فرنسا. تتميز تقاريرها بالتحليل العميق والتغطية الموضوعية لأهم الأحداث في الحياة الفرنسية.