
في كلمات قليلة
كتاب نورا بوعزوني يوثق مئات الشهادات عن العنف النفسي والجسدي والجنسي في المطابخ الفرنسية، مشيراً إلى أن أسطورة فن الطهي تحمي نظاماً قائماً على الاستغلال والسكوت.
لطالما ارتبطت صورة الشيف المحترف بالدفء والإبداع على الشاشات، لكن الواقع خلف أبواب المطابخ المهنية يحمل وجهاً آخر مظلماً ومليئاً بالانتهاكات. كشفت الصحفية المستقلة نورا بوعزوني في كتابها الجديد «عنف في المطبخ: ثقافة الصمت الفرنسية» (Violences en cuisine, une omerta à la française) عن تحقيق واسع النطاق يسلط الضوء على العنف الممنهج داخل قطاع المطاعم.
جمعت بوعزوني مئات الشهادات المؤثرة، معظمها مجهولة، من طهاة وعاملين يروون قصصاً عن الإهانات والشتائم والحروق المتعمدة التي تُلحق بهم «بسبب خطأ في العمل»، بالإضافة إلى إيقاع عمل لا يُطاق يصل إلى 80 ساعة أسبوعياً، بل وتصل الانتهاكات إلى حد الاعتداءات الجنسية والاغتصاب. وتؤكد الصحفية أن هذه المهنة مبنية على «تجريد الإنسان من إنسانيته» والاستغلال، وهو ما ترسخه حتى اتفاقية العمل الجماعية الوطنية للفنادق والمقاهي والمطاعم، التي تعتبرها الأسوأ في البلاد.
أسطورة فن الطهي وحماية الصورة
تشير بوعزوني إلى أن «أسطورة فن الطهي الفرنسي» هي السبب الرئيسي وراء استمرار ثقافة الصمت هذه. ففرنسا، التي نصبت نفسها كأفضل مطبخ في العالم، تسعى للحفاظ على مكانتها بأي ثمن، مما يخلق شبكة من الدعم لحماية صورتها الدولية. هذا التناقض بين الصورة الودودة للشيف التي تروج لها وسائل الإعلام والواقع القاسي في المطابخ يولد حالة من التنافر المعرفي لدى الجمهور.
تقول بوعزوني: «هناك فجوة بين الصورة الودودة للشيف وواقع فرق العمل في المطابخ. هذا يخلق حالة من الإنكار». وتضيف أن بعض الضحايا الذين تحدثوا إليها يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة لدرجة أنهم لا يستطيعون دخول مطعم، مشيرة إلى أن عتبة التسامح مع العنف في هذا القطاع قد تجاوزت الحدود المعقولة.
آليات الاستغلال والسيطرة
توضح الكاتبة أن تطبيع الإساءة يبدأ بإقناع العاملين بأن الصراخ والشتائم والعمل لساعات طويلة أمر طبيعي، وهو ما يشكل «استمرارية للعنف» قد تتصاعد إلى الاعتداء الجسدي والجنسي. هذا التسلسل الهرمي العمودي للغاية في المطابخ يمنح المعتدين سلطة هائلة، مما يدفع الضحايا إلى حالة تشبه «متلازمة ستوكهولم» حيث يتحملون الإساءة أملاً في الترقية.
وتنتقد بوعزوني بشدة الإطار القانوني الذي يدعم هذا الاستغلال، مشيرة إلى أن اتفاقية العمل الجماعية تسمح بالاستثناءات، حيث لا يتم دفع أجر إضافي مقابل أيام العطلات والأحد، وتكون ساعات العمل أطول من أي مهنة أخرى. وبذلك، فإن القانون يكرس استغلال طبقة عاملة يتم إقناعها بأن نشاطها «أكثر من أن يكون مرموقاً» للتحرك أو الاحتجاج.
وفيما يتعلق بوجود النساء في هذا القطاع، تحذر بوعزوني من الاعتقاد بأن وجود شيفات إناث يضمن بيئة عمل صحية. فبالرغم من أن النساء يمثلن أقلية (19% فقط من الشيفات في فرنسا)، إلا أن المهنة نفسها «تُعلّم الألم لكل من يمارسها»، وقد تكون بعض الشيفات الإناث أيضاً من المعتدين.
تدعو بوعزوني الجمهور إلى تحمل المسؤولية من خلال اليقظة وملاحظة علامات التحذير، مثل معدل دوران الموظفين المرتفع أو «الصمت المطبق» في المطابخ المفتوحة، مشددة على أن التغيير ممكن من خلال مبادرات مثل الجمعيات التي تقدم الدعم النفسي والتدريب على الإدارة السليمة.