
في كلمات قليلة
أنطوان كاريم، المعروف بـ "ملك الطهاة"، هو رائد المطبخ الفرنسي الحديث، صعد من الفقر المدقع ليخدم في بلاطات أوروبا الملكية. مسيرته الدرامية وإسهاماته الكبرى في فن الطبخ هي موضوع مسلسل جديد على آبل تي في بلس.
القصة الملهمة لأنطوان كاريم، الملقب بـ «ملك الطهاة وطاهي الملوك»، أصبحت الآن محور مسلسل تلفزيوني جديد يحمل اسمه، ومتوفر للمشاهدة على آبل تي في بلس (Apple TV+) منذ 30 أبريل. لكن من كان حقاً هذا الرائد في فن الحلويات والمطبخ الفرنسي؟ نقدم لكم لمحة عن حياته.
لقد خلد التاريخ اسمه بلقب «ملك الطهاة». لكن مسيرة ماري-أنطوان كاريم لم تكن محسومة لتجعله أحد أبرز الشخصيات في تاريخ فن الطبخ الفرنسي. رحلته الاستثنائية ألهمت مسلسل «كاريم» من إخراج مارتن بوربولون، المتوفر الآن على آبل تي في بلس. يجسد بنيامين فوازان شخصية كاريم، الذي سيصبح رائد فن الحلويات، في 8 حلقات تتسم بالإثارة والدراما في فرنسا عصر بونابرت. اليتيم المتمرد والطموح يعمل كمحترف حلويات موهوب إلى جانب والده بالتبني. لكن سرعان ما يجد نفسه يدفع ثمن عبقريته: شارل-موريس دي تاليران، الوزير والماهر في الدسائس السياسية (يلعب دوره جيريمي رينييه)، يجبره على أن يصبح جاسوساً من داخل مطابخ التويلري. يصبح الطعام سلاحاً في عالم مضطرب تمتزج فيه المؤامرات والسياسة والبؤس. هذه المكونات تشكل وصفة هذا المسلسل المأخوذ عن رواية «الطبخ للملوك: حياة أنطوان كاريم» للبريطاني إيان كيلي. ولكن أين تقع الحقيقة وأين يقع الخيال في قصة ماري-أنطوان كاريم؟
كل شيء يبدأ في باريس. نحن في عام 1789، في شارع دو باك، في مسكن غير صحي بالدائرة السابعة. هناك، وسط عدد كبير من الإخوة والأخوات، ولد ماري-أنطوان كاريم. المسيرة العظيمة التي ستتجلّى كانت آنذاك مجرد حلم بعيد لمن يُدعى أنطوان، الذي عاش في فقر مدقع حتى سن الحادية عشرة على الأقل. ليوفر مستقبلاً لهذا الصبي ذي العقل الفطين والفضولي، اتخذ والده قراراً مؤلماً: أعد له حزمة صغيرة وتركه عند إحدى بوابات العاصمة، مشجعاً إياه على شق طريقه بنفسه.
في مذكراته غير المنشورة، التي نشرت بعد أكثر من عقد من وفاته، يذكر أنطوان كاريم طفولته بتكتم كبير: «رغم أنني ولدت في أفقر عائلات فرنسا، عائلة مكونة من 25 طفلاً، ورغم أن والدي رماني حرفياً في الشارع، إلا أن الحظ ابتسم لي بسرعة، وجنية طيبة كانت تأخذ بيدي غالباً لتوصلني إلى الهدف». بعد أيام قليلة من التجوال، استقر الشاب في حانة حيث تم توظيفه كصبي مطبخ. هل كانت هذه إشارة من القدر؟
تم إعادة النظر في هذه الرواية من قبل المؤرخة ماري-بيير راي، التي افترضت في كتابها «أول الطهاة، المصير الاستثنائي لأنطوان كاريم»، المنشور عام 2021، أن الصبي الصغير ربما تم وضعه هناك كمتدرب من قبل والده. مهما كان الأمر، في هذا المطعم المتواضع، تعلم أنطوان كيفية استخدام المقلاة، تقطيع اللحم، وإعداد الصلصات. كان واضحاً: لقد وجد مكانه. عمل بلا كلل، في ظروف صعبة، ولكن مدفوعاً بالطموح، أصر الشاب على المثابرة. والعمل يؤتي ثماره لمن يصف نفسه في مذكراته بأنه «حرفي مجتهد»: انتقل إلى شارع سان هونور حيث خطا خطواته الأولى في عالم الحلويات لدى دوكريست قبل أن يواصل تدريبه في متجر حلويات بايلي.
يقع هذا المتجر في شارع فيفيان، ويقدم الحلويات لجميع الأوساط الراقية في باريس. هناك، أتقن الشاب أنطوان تقنيته، والأهم من ذلك، وجد أسلوبه الخاص وهويته الطهوية. في الواقع، اكتشف التلميذ ذو العقل المتعطش المعرفة فن العمارة، الذي أصبح مصدراً حقيقياً للإلهام في إبداعاته. كان رئيسه، سيلفان بايلي، يتفاجأ به وهو يصنع منحوتات حقيقية باستخدام عجينة اللوز والسكر والنوجا في أوقات فراغه. ملاحظاً مواهب تلميذه، لعب بايلي دوراً رئيسياً في مصير أنطوان الرائع: عرض عليه فرصة الذهاب، متى شاء، إلى مكتب المطبوعات المرموق في المكتبة الوطنية الفرنسية، ليستلهم من أساتذة العمارة. أنطوان كاريم أصبح شغوفاً بالعظمة. بعد سنوات، سيكتب في كتاب «حلواني باريس الملكي»، الذي نشر عام 1815: «الفنون الجميلة خمسة، وهي: الرسم، النحت، الشعر، الموسيقى، العمارة، والتي فرعها الرئيسي هو فن الحلويات».
في عام 1800، عندما كان مراهقاً، تم توظيف أنطوان كاريم كـ «تورييه» أول (مسؤول عن تحضير العجين) في فندق غاليفيت، تحت إشراف جان أفيس الشهير، حلواني وزير العلاقات الخارجية تاليران. الفخامة والعظمة والثراء كانت حاضرة في كل قائمة طعام في منزل الوزير الذي كان يمتلك موارد لا حصر لها وفرها القنصل الأول، أي نابليون الأول المستقبلي. في عرض متناغم تماماً بقيادة جيش من الخدم، كانت طاولات قاعة الاستقبال الكبرى كل مساء تعج بعدد لا يحصى من الأطباق الراقية. كانت لترات من النبيذ الفاخر تتدفق في الكؤوس الكريستالية، وكانت الحلويات تتخذ شكل أعمال فنية حقيقية.
هذه الوفرة كانت بعيدة كل البعد عن جحيم المطابخ، التي كانت تغلي على بعد أمتار قليلة، حيث كانت النوافذ تُغلق أثناء الخدمة للحفاظ على درجة حرارة الأطباق. في هذا الجو الخانق، كان حوالي عشرين طباخاً يركضون، يشعلون النيران، ويقطعون بوتيرة محمومة. لكن بين الجنة والجحيم والحلويات، وقع أنطوان كاريم في سحر هذه الحياة غير العادية.
بفضل موهبته وإرادته، بين عامي 1803 و1814، صقل الشاب أنطوان مهاراته لدى النخبة السياسية، حيث عمل في عدة قصور لكبار المسؤولين في الإمبراطورية. مثل فنادق غاليفيت، كريكوي، ماتينيون، وكذلك قصري سانت فلورنتين والإليزيه. كان يُطلب منه تنظيم عشاءات اجتماعية كبرى، والتي اخترع لها «الكروكمبوش» الذي لا يُعلى عليه، مستوحياً إياه من العمارة القديمة. هذه الكعكة متعددة الطبقات، والتي قد يصل ارتفاعها إلى أكثر من متر، تتكون من أعمدة تشبه أعمدة المعابد اليونانية. أثناء الخدمة، كان أنطوان كاريم يلاحظ كل حركة، يحفظ كل خدعة، وفي المساء، في غرفته المتواضعة، يدون بدقة جميع ملاحظاته.
هذه الدقة كانت مفتاح التراث الذي تركه أنطوان كاريم، مع نشر موسوعة طهي حقيقية في خمسة مجلدات خلال حياته القصيرة: «حلواني باريس الملكي والحلواني المصور» عام 1815، «مدبر المنزل الفرنسي» عام 1822، و«الطاهي الباريسي» و«فن الطبخ الفرنسي في القرن التاسع عشر» عام 1828.
وبهذا، قدم لتاريخ فن الطبخ الفرنسي نموذجاً طهوياً منظماً حقاً. لقد قام بتدوين الوصفات مع تحديد كميات كل مكون، وشرح الخطوات اللازمة باستخدام الرسومات. كانت مبادئه بسيطة، وإن كانت رائدة، حيث دافع عن مطبخ يسحر العينين والبراعم الذوقية على حد سواء، مؤكداً على أهمية التناسق بين الأطباق وترتيب المائدة. دعا إلى طهي قصير للحفاظ على النكهة الطبيعية للأطعمة، واستخدام معتدل للتوابل، وفي الوقت نفسه دافع عن مهنة الطاهي للحصول على الاعتراف والأجر المناسب.
في مؤلفاته، خاطب بشكل خاص الباريسيات، اللاتي رآهن، بعينه البصيرة، الأعلام المستقبلية لفن الطبخ الفرنسي الرفيع. على غرار كبار الطهاة اليوم، برز أنطوان كاريم كنجم في عالم الطبخ تتنافس عليه البلاطات الملكية والنخبة الأوروبية.
مروّجاً لتميز فن الطبخ الفرنسي، سافر أنطوان كاريم في أوروبا من عام 1816 حتى وفاته، ليعمل لدى النخبة السياسية والملكية. بدأ ببلاط بريطانيا، حيث استقر في برايتون وعمل لدى أمير ويلز، الملك المستقبلي جورج الرابع. ثم غادر إلى فيينا لإرضاء شهوات الإمبراطور فرانز الأول النمساوي وابنته، الإمبراطورة ماري لويز النمساوية، الزوجة الثانية لنابليون الأول. مصيره قاده حتى إلى روسيا، بناءً على طلب القيصر ألكسندر الأول، الذي منحه خاتماً من الألماس تقديراً لموهبته.
لكن أنطوان كاريم كان متعطشاً للاستقلال والحرية، ولم يبق طويلاً في مطابخ أرباب عمله. على الأقل، حتى وصوله إلى منزل البارون جيمس دي روتشيلد وزوجته بيتي، اللذين طبخ لهما حتى وفاته عام 1833. ولد هذا الولاء من الاحترام الذي وجده في هذا المنزل حيث أُعطي مساحة لإبداعه، وتم التعامل معه بود، بل ودعوه للانضمام إلى الضيوف في نهاية الوجبة. كان هذا انفصالاً واضحاً عن المعاملة التي تلقاها الحلواني طوال حياته المهنية، فبالرغم من شهرته العالمية، كان أرباب عمله يعاملونه دائماً كخادم بسيط. هنا، ولأول مرة في التاريخ، سيطلق على الطاهي اسم «شيف».
توفي أنطوان كاريم عام 1833، عن عمر يناهز 48 عاماً، متأثراً بمرض في الرئة، نتيجة استنشاق الأبخرة السامة من أفران الفحم. كانت شهرته كبيرة لدرجة أنه لفك لغز عبقريته، تم تشريح جمجمته وفقاً لموضة الفرانولوجيا. ويُقال إنها محفوظة الآن في مجموعات متحف الإنسان في باريس. حتى اليوم، لا يزال تأثير أنطوان كاريم يغذي المصطلحات الطهوية على مستوى العالم، وتتجلى موهبته كل يوم في أطباقنا، من «فول-أو-فان» إلى العجينة المورقة.