
في كلمات قليلة
مسرحية "ليفياثان" للمخرجة لورين دي ساغازان في باريس تنتقد بشدة إجراء "المثول الفوري" في نظام العدالة الفرنسي. العرض، المستند إلى وقائع حقيقية، يُظهر مصائر المتهمين المأساوية وقسوة النظام عبر رؤية مسرحية فريدة.
وصلت مسرحية "ليفياثان" للمخرجة لورين دي ساغازان، والتي حظيت بإشادة واسعة وأداء مميز في مهرجان أفينيون عام 2024، إلى العاصمة الفرنسية باريس. هذا العمل المسرحي، المستوحى من وقائع حقيقية، يطرح تساؤلات مؤلمة حول قسوة ومآزق نظام العدالة.
قد تكون مفارقة جغرافية باريسية مثيرة للسخرية. المشاهد الذي يغادر قاعة أتيليه بيرتييه (Ateliers Berthier) حيث تُقدم مسرحية "ليفياثان"، يلتفت ليرى على بعد 200 متر فقط المبنى الحديث والبارد لمحكمة باريس الجديدة. غالباً ما يُقال إن العدالة هي شكل من أشكال المسرح. في هذه المرة، يتولى المسرح نفسه مهمة تحقيق نوع من العدالة عبر تفكيك نظام المحاكمات السريعة المعروفة باسم "المثول الفوري" (comparution immédiate).
يواجه أربعة أشخاص رئيس المحكمة: ثلاثة رجال وامرأة. هناك جريمة، لا يوجد ضحية، لكن هناك حكم. أربعة أشخاص مُنهكون من صعوبات الحياة، تواجههم دوامة عدالة صارمة لا ترحم على خشبة المسرح. تُعرض المسرحية حتى 23 مايو في أتيليه بيرتييه بباريس، التابع لمسرح أوديون.
"ليفياثان" هو الجزء الثالث من سلسلة أعمال لورين دي ساغازان المسرحية التي تتناول قضايا المجتمع الفرنسي. بعد "الحياة الخفية" المستلهمة من مقابلات مع أشخاص مكفوفين، و"تكريس" حيث بحثت في طقوس الحداد والموت، يأتي "ليفياثان" ليسلط الضوء على هذا الإجراء القضائي الاستثنائي: المثول الفوري.
لنبدأ بنقطة قانونية وتعريف: "المثول الفوري هو إجراء سريع يسمح بمحاكمة المتهم مباشرة بعد انتهاء فترة احتجازه الوقائي". بعد قضاء أشهر طويلة في زيارة المحاكم والسجون، ومقابلة المتهمين والمحامين والقضاة، توصلت لورين دي ساغازان والمؤلف غيوم بوا إلى الحكم: الكلمة التي تُجرح العدالة هي بالتأكيد كلمة "سريع". تحدد العدالة وقت الحديث بدقة لكي لا تضيع الوقت. بعد كل جلسة، وقبل النطق بالحكم، ساعة توقيت ضخمة تسجل الواقع: النقاش الذي يدّعى أنه محاكمة استمر بين 16 و 22 دقيقة فقط. دقائق قليلة تحسم جزءاً كبيراً من حياة شخص، فالحكم النهائي قاسٍ: من ستة أشهر إلى سنتين سجناً نافذاً.
على هذه الخشبة، يُحاكم (حسب ترتيب ظهورهم): شاب تائه أُوقف على دراجة نارية بدون خوذة أو رخصة قيادة، رجل مشرد غاضب ومتعب هدد بإحراق برج إيفل، أم متهمة بسرقة ملابس أطفال (مقاس 6 سنوات) ابنتها تتعرض للعنف الجنسي من والدها (العدالة هنا تكون أشد قسوة على سرقة الملابس لكساء ابنتها منها على الأب المغتصب)، والرجل الرابع.
الرجل الرابع يجسده ممثل "هاوٍ". لقد عاش تجربة السجن وجلسات المثول الفوري، وعانى من انتظار المتهمين الطويل. يحكي عن رائحة أماكن الاحتجاز المكتظة بالمتقاضين، عن حواره مع رفاق المحنة، وعن المحامين المعينين رسمياً الذين يبدون ضائعين. لن نعرف شيئاً عن جرائمه الخاصة، لكنه هو الذي يُسلط الضوء على نظام العدالة هذا. هو من يُذكّر، بصوت قوي وعميق، أن النظام القضائي والسجني قد تمت خصخصته ويخدم مصالح الشركات. المزيد من السجناء يعني المزيد من السجون.
"ليفياثان" هو محاكمة لهذا النظام القضائي الذي يسحق ويهلك الأرواح التي فقدت بالفعل. في الكتيب المصاحب للعرض، تُشدد المخرجة: "لا يوجد عدل في محكمة المثول الفوري: هذه هي الجملة التي سمعتها أكثر من غيرها من المحامين الذين التقيت بهم لعدة أشهر". وتضيف أن المسرحية تستدعي صورة هذا "الوحش" للتساؤل عن العنف المتأصل في فكرة العدالة وفي فكرة التعويض.
لكن لا تخدعوا، على الرغم من البحث الدقيق والطابع السياسي البارز لهذا العمل، فإن الرواية ليست وثائقية. يكفي عند دخول قاعة أتيليه بيرتييه السير على طول المسرح لتدرك أنك أمام احتفال باروكي، غنائي، وأحياناً هزلي. الأرض ليست أرضية قاعة محكمة، بل تراب مدكوك يثير الغبار مع حركة الممثلين.
السقف ليس بذهب محكمة إقليمية، بل قماش وردي كبير، "كاتدرائية من النسيج" كما تصفها دي ساغازان، يشبه أيضاً خيمة سيرك. وبالفعل، هناك إشارة إلى السيرك. القاضي والمدعي العام، يرتديان أقنعة تراجيدية يونانية، يصبحان مهرجين مثيرين للشفقة، والمتهمون يتحولون إلى خيالات مذهولة، وحصان رمادي رائع يجوب هذا الاحتفال.
هناك على اليمين، يجلس ممثل، جامداً ومقنّعاً بزي المدعي العام، يحرك ذراعيه وجذعه كدمية. يذكرنا هذا بأن المخرجة تدربت على يد توماس أوسترماير وتابعت تمارين روميو كاستيلوتشي. الصوت أحياناً صاخب جداً، ودائماً يغمر المكان.
الواقع ينحرف فجأة، وتبدأ رئيسة الجلسة، في خضم سرد الوقائع، في إصدار أصوات غنائية كما لو أصابها جنون خفيف. المدعي العام أثناء مرافعته يبدأ في التلويح بعصبية، وتلقي محامية غاضبة ومبعثرة أخيراً بعباءتها وكأنها تستسلم خلال مرافعتها التي كانت خاسرة سلفاً.
قوة الإخراج، الجمال المأساوي لهذا العرض التنكري، الخوف والإرهاق الذي يظهر على المتهمين، تعب المحامين الذين تحولوا إلى فزاعات قلقة، انهيار رئيسة الجلسة أو المدعي العام - كل هذا يجعل من "ليفياثان" شهادة سريالية ومأساوية على وضع العدالة المتدهور.
لقد تخلت عن مبادئها التي أُعلنت في بداية العرض: "تُمثّل العدالة بصورة امرأة معصوبة العينين تحمل في يد سيفاً وفي الأخرى ميزاناً. هذه الرموز الثلاثة تستحضر مبادئ قوية للعدالة: الحياد، سلطة العقاب، والإنصاف". لكن العدالة، مثل المتحول، أصبحت تراجيديا بشخصيات مقنعة ونغمات قديمة. العدالة، للأسف، تبدو حقاً كأنها مسرح.
مسرحية "ليفياثان" تُعرض حتى 23 مايو 2025 في العنوان: 1 rue André Suares, 75017 Paris (أتيليه بيرتييه، مسرح أوديون).