وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي: «الفن أنقذني».. حوار حول كان، المساواة ومستقبل السينما

وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي: «الفن أنقذني».. حوار حول كان، المساواة ومستقبل السينما

في كلمات قليلة

وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي تتحدث عن أهمية الفن في حياتها الشخصية، وتقيّم أداء السينما الفرنسية في مهرجان كان، وتستعرض أولويات وزارتها في مجالات المساواة، مكافحة العنف، تطوير السينما، وتجديد المؤسسات الثقافية الكبرى مثل متحف اللوفر.


في حوار صحفي بالتزامن مع اختتام مهرجان كان السينمائي، تحدثت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي عن دور الفن في حياتها، نجاحات السينما الفرنسية، وأولويات عملها في الوزارة.

أشادت رشيدة داتي بالأهمية العالمية لمهرجان كان، واصفة إياه بأنه «أعظم وأشهر قاعة سينما على الكوكب». أكدت أن فرنسا هي البلد المؤسس للسينما وتحتفظ بمكانتها كمرجع عالمي في مجال سينما المؤلف. أشارت الوزيرة إلى العام الاستثنائي الذي مرت به السينما الفرنسية في 2024، حيث تجاوز عدد المشاهدين في دور السينما 182 مليوناً، بزيادة مليون مشاهد عن العام السابق. لفتت إلى نجاحات أفلام مثل «إميليا بيريز»، «الكونت دي مونت كريستو»، و«الحب بجنون» التي عُرضت في كان، معتبرة أن هذه النجاحات تمكن من تمويل الإبداع وتنوع الأعمال الفنية.

عن علاقتها الشخصية بالسينما، قالت الوزيرة إنها «تفتح الذهن والفكر، وتقدم مساحات للحلم والحرية». اعترفت داتي: «مررت بلحظات أكثر قتامة في حياتي. وفي كل مرة، كان الفن والقراءة والسينما ينقذونني». كشفت أنها دخلت قاعة سينما لأول مرة في سن 21 عاماً، لأن السينما لم تكن تعتبر نشاطاً جدياً للفتيات في البيئة التي نشأت فيها. ذكرت من أوائل الأفلام التي شاهدتها وأثرت فيها «الزرق الكبير» و«الشاي في حرم أرخميدس» للمخرج مهدي شارف، مشيدة بقدرته على تصوير الحياة في الأحياء الشعبية وعائلات المهاجرين بواقعية ودون مبالغة.

تطرقت وزيرة الثقافة الفرنسية أيضاً إلى قضية عدم المساواة بين الرجل والمرأة في قطاع السينما. أشارت إلى تراجع عدد الأفلام التي أخرجتها نساء خلال العامين الماضيين، معتبرة أن هذه قضية عالمية لا تزال قائمة حتى في أكثر الديمقراطيات تقدماً. رأت أن المشاريع التي تقودها النساء غالباً ما تعتبر أقل أماناً من حيث التمويل. ربطت داتي زيادة الوعي بالصور النمطية الجنسانية وعدم المساواة بحركة #MeToo التي سلطت الضوء على واقع العنف في القطاع الثقافي. ورغم الصعوبات، لاحظت تطورات إيجابية، حيث اكتسبت المخرجات والمنتجات أرضية جديدة، مما شجع وجود زميلاتهن في الفرق الفنية. أكدت أنه على غرار قانون التكافؤ في السياسة، تطلب الأمر اتخاذ تدابير ملزمة لتحقيق هذا التقدم، وهو نهج اتبعته سابقاً كوزيرة للعدل لزيادة تمثيل النساء في أعلى المناصب القضائية.

شددت رشيدة داتي على ضرورة «تأنيث الثقافة على جميع المستويات»، رغم استمرار عدم الثقة. أشارت إلى أن التساهل يكون أقل مع النساء في حالة إخفاق شباك التذاكر مقارنة بالرجال، وأن النجاح أو الجائزة لا تضمن مستقبلاً للمخرجة بالقدر الذي يضمنه للرجل. دعت إلى تفكيك التحيزات التي تجعل نجاح المرأة يبدو استثناءً بدلاً من الاعتراف بكفاءتها وإبداعها.

عندما نحتفي بالنساء، نركز أكثر من اللازم على كونهن استثناء بدلاً من اعتبار فوزهن أمراً مشروعاً.

في سياق مكافحة العنف والتحرش في القطاع الثقافي، قالت رشيدة داتي إن التزامها السياسي نابع من تجربتها الشخصية. أكدت أنها ساهمت دائماً في إنشاء وتطوير آليات لمكافحة العنف ضد المرأة في جميع المناصب التي شغلتها. ذكرت على سبيل المثال توفير الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في مراكز الشرطة، وإنشاء جهاز «هاتف الخطر الكبير» لإنقاذ النساء المعرضات للعنف المنزلي، وبرامج داخلية للتميز المدرسي لحماية الأطفال.

انتقدت الوزيرة تقبّل العنف الذي ساد لفترة طويلة في بعض الأوساط، خاصة الثقافية، بحجة «العبقرية» أو «الإبداع». ذكّرت بأن العنف ممنوع قانوناً، وأن الموهبة أو السلطة ليست ظروفاً مخففة. يجب إدانة الجناة، لأن العقاب له أيضاً تأثير رادع.

أوضحت أن وزارة الثقافة تكافح العنف من خلال التنديد به وإبلاغ القضاء. أعربت عن استغرابها الشديد من ضعف عدد البلاغات داخل الوزارة نفسها، رغم تزايد شكاوى الفنانين. أعلنت عن توسيع ساعات عمل ومهام خلية الاستماع والدعم لضحايا العنف والتحرش الجنسي، لتشمل المرافقة القانونية حتى إدانة الجاني. اعتباراً من 1 يناير 2025، أصبح وجود مسؤولين عن مكافحة العنف في مواقع التصوير إلزامياً، وكذلك التدريب الوقائي شرطاً للحصول على الدعم المالي، ووجود منسق للمشاهد الحميمة إذا طلبه أحد أعضاء الفريق. بالنسبة للقُصّر، سيصبح وجود شخص بالغ مسؤول إلزامياً في مواقع التصوير حتى سن 18 عاماً بدلاً من 16 حالياً.

من المشاريع المستقبلية التي ذكرتها الوزيرة، إنشاء متحف جديد للسينما في باريس. الفكرة جاءت من رئيس السينماتيك الفرنسية كوستا غافراس. يهدف المتحف الجديد إلى أن يكون فضاءً حديثاً يعكس مكانة السينما في فرنسا، ويساهم في تفكير الشباب في علاقتهم بالشاشات والصور، ويكون بيتاً مشتركاً للصناعة السينمائية الفرنسية.

تحدثت رشيدة داتي أيضاً عن «الحرب الثقافية» ودور فرنسا فيها. رأت أن فرنسا وباريس تلعبان دوراً بارزاً في هذه المعركة من أجل الأفكار والقيم، بفضل الثقافة الحية والتراث الغني والشبكة الثقافية المتكاملة في جميع أنحاء البلاد. باريس، كإحدى عواصم الثقافة العالمية، تمثل خط الدفاع الأول ضد محاولات توحيد المعايير والرقابة. تؤمن الوزيرة بأن السيادة الثقافية لفرنسا لا يمكن ضمانها بالكامل إلا في إطار «أوروبا الثقافة» القادرة على مواجهة العمالقة الثقافيين من خارج القارة.

أشارت إلى أن ميزانية وزارة الثقافة زادت بأكثر من 30% منذ عام 2017، مما يدل على دعم غير مسبوق للقطاع. ميزانية هذا العام لم تشهد أي تخفيض.

فيما يتعلق بالمشهد الثقافي في باريس، لاحظت الوزيرة ديناميكية سوق الفن والدور المتزايد للمؤسسات الخاصة. أكدت على أهمية تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لزيادة الحيوية الفنية والاعتراف الدولي. ورغم مكانة باريس كوجهة سياحية عالمية، شددت على ضرورة تطوير سياسة ثقافية شاملة ومتاحة لجميع سكان باريس.

في حال الفشل في شباك التذاكر، التساهل مع المرأة أقل منه مع الرجل.

كشفت الوزيرة عن خطط لتجديد متحف اللوفر، ليصبح «لوفراً جديداً» بمعروضات جديدة وتنسيق محسن وإمكانية وصول أفضل. سيتم تمويل هذا المشروع الضخم من خلال آليات مبتكرة، بما في ذلك الرعاية الخاصة ونظام تسعيرة جديد يرفع الأسعار للزوار الدوليين الذين يمثلون الجزء الأكبر من الزوار.

بخصوص إصلاح الإعلام العام، قالت رشيدة داتي إن الهيكل الحالي قديم ولا يصل إلى جميع شرائح المجتمع، وخاصة الشباب والطبقات الشعبية. شددت على ضرورة استثمارات ضخمة واستراتيجية موحدة للتلفزيون والإذاعة لمواجهة ضغط المنصات وضمان وجود إعلام عام قوي وذي سيادة يقدم معلومات موثوقة.

أعربت الوزيرة عن تمسكها بالصحافة بجميع أشكالها وتوزيعها في جميع أنحاء البلاد. أقرت بأن التطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي تفرض على القطاع إعادة ابتكار نفسه، مؤكدة استمرار الوزارة في دعم الصحافة في تحولاتها. من أولوياتها ضمان حصول الفرنسيين على معلومات موثوقة، وستقدم مشروع قانون هذا العام لتعزيز حرية واستقلال وتعددية وسائل الإعلام.

بشأن الذكاء الاصطناعي وتأثيره على القطاعات الفنية، أقرت رشيدة داتي بأنه لا يمكن منع الفنانين من استخدامه، لكنها شددت على أهمية حماية حقوق المؤلف وحق الصورة. ستواصل فرنسا الدفاع عن استثناءاتها الثقافية، باستخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مع حماية المبدعين.

فيما يتعلق بالضرائب المحتملة على الأفلام المنتجة في الخارج، التي اقترحها دونالد ترامب، أعربت الوزيرة عن ثقتها في صمود السينما الفرنسية، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات ستضر بالسينما الأمريكية في المقام الأول.

استعداداً لموسم «المتوسط» الذي سيبدأ بعد عام، قالت رشيدة داتي إن الثقافة تسعى لتجاوز الظروف السياسية السلبية. العلاقات التاريخية والثقافية بين فرنسا والجزائر ودول المنطقة الأخرى أقوى من التوترات السياسية المؤقتة. تلعب الثقافة دوراً أساسياً في الحوار والتعاون الدولي، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الشراكات الاستراتيجية.

في الختام، وصفت الوزيرة وزارة الثقافة بأنها «سيادية» والأكثر تمثيلاً لتاريخ فرنسا وتحدياتها وهويتها. رأت أنها «القلب النابض لفرنسا» والقادرة على تقديم إجابات على أصعب الأسئلة.

نبذة عن المؤلف

إيلينا - صحفية تحقيقات ذات خبرة، متخصصة في المواضيع السياسية والاجتماعية في فرنسا. تتميز تقاريرها بالتحليل العميق والتغطية الموضوعية لأهم الأحداث في الحياة الفرنسية.