فرنسا في قلب العاصفة المالية: عجز تاريخي في الميزانية يهدد مستقبلها الاقتصادي

فرنسا في قلب العاصفة المالية: عجز تاريخي في الميزانية يهدد مستقبلها الاقتصادي

في كلمات قليلة

تواجه فرنسا تحديات مالية غير مسبوقة مع تسجيلها أعلى عجز عام في منطقة اليورو. ويحذر الاقتصاديون من أن استمرار هذا الوضع، في ظل انتهاء عصر الاقتراض منخفض التكلفة والمنافسة الشديدة مع ألمانيا، قد يدفع البلاد نحو أزمة ديون ما لم يتم اتخاذ إجراءات تقشفية عاجلة.


تواجه فرنسا خطر الوقوع في صعوبات مالية خطيرة خلال الأشهر المقبلة، وهو احتمال تحول من مجرد فرضية نظرية إلى تحدٍ عملي. ويعود هذا التحول في المقام الأول إلى الإهمال الجماعي في إدارة المالية العامة للدولة. فالمشكلة الرئيسية لفرنسا ليست في مستوى ديونها بقدر ما هي في عجزها المستمر.

من المتوقع أن يبلغ الدين العام الفرنسي 116% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو مستوى مرتفع تشترك فيه مع دول أخرى مثل إيطاليا واليونان، ناهيك عن اليابان التي يقترب دينها من 250% من ناتجها المحلي الإجمالي. لكن ما يميز فرنسا بشكل سلبي هو عجزها العام الهائل والمستمر، والذي يحدد إلى حد كبير المسار المستقبلي لديونها. ستسجل البلاد هذا العام أعلى عجز عام بين دول منطقة اليورو العشرين، بنسبة 5.6% مقارنة بمتوسط 3.2% في المنطقة و3.3% للاتحاد الأوروبي. كما أن تكلفة خدمة الدين - أي دفع الفوائد - تصل إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا، مقابل 2% في المتوسط الأوروبي.

تدفع فرنسا ثمن عدم اتساق سياساتها، بالإضافة إلى سياق اقتصادي كلي جديد. حتى فترة جائحة كوفيد، كانت الدولة الفرنسية تقترض بأسعار فائدة منخفضة جدًا، تقترب من الصفر أو حتى سلبية في بعض الأحيان. كان كبار المستثمرين المؤسسيين حول العالم على استعداد لدفع مقابل لشراء سندات فرنسية طويلة الأجل، مما يمنحهم أصلاً آمناً باليورو. إلا أن هذا الامتياز لم يعد قائماً.

شهد الاقتصاد العالمي تحولاً جذرياً. فقد تباطأ نمو الاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها الصين، مما قلل من قدرة الأسر على الادخار. وفي المقابل، انفجرت احتياجات الدول الاستثمارية لتمويل التحول الطاقوي وإعادة التسلح في مواجهة التهديدات الجيوسياسية. ومن المتوقع أن تحتاج دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى اقتراض 17 تريليون دولار هذا العام.

في سباق جمع الديون، ستواجه فرنسا منافساً جديداً وقوياً: ألمانيا. حتى الآن، كان اقتراض ألمانيا محدوداً نسبياً بسبب ضعف عجزها العام (2.5% من الناتج المحلي الإجمالي) واستثماراتها المحدودة في البنية التحتية والدفاع. لكن ألمانيا تواجه الآن نفس التحديات الأوروبية، مما دفعها إلى التخلي عن قيود "كبح الديون". ابتداءً من عام 2026، ستزداد إصدارات الديون الألمانية بشكل كبير. ولأول مرة، سيتنافس أكبر اقتصادين في منطقة اليورو بشراسة في سوق السندات. وقد يفضل المستثمرون الدوليون السندات الألمانية ذات التصنيف الائتماني الأعلى، مما يزيد الضغط على فرنسا ويرفع أسعار الفائدة على ديونها حتماً.

يرى المحللون أن الحل لا يكمن في زيادة الضرائب، حيث وصلت فرنسا إلى "نقطة لافر"، وهي المستوى الذي لا تؤدي بعده أي زيادة ضريبية إلى زيادة الإيرادات. وبدلاً من ذلك، يُقترح مساران رئيسيان:

  • خفض الإنفاق العام: من خلال تجميد ربط جميع النفقات بمؤشر التضخم لمدة عام واحد، وهو إجراء قد يوفر ما بين 10 إلى 20 مليار يورو.
  • توسيع القاعدة الضريبية: عبر زيادة معدل توظيف كبار السن، وزيادة ساعات العمل، وخفض البطالة من خلال إصلاحات جريئة مثل إلغاء الحد الأقصى لسن التقاعد في الوظائف العامة وتحرير ساعات عمل المتاجر.

ويُختتم التحليل بالتحذير من أن الوضع المالي للبلاد أصبح حرجاً، وأن التقاعس السياسي قد يؤدي إلى تكاليف باهظة في المستقبل.

نبذة عن المؤلف

سيرجي - محلل اقتصادي، يحلل الأسواق المالية في فرنسا والاتجاهات الاقتصادية العالمية. تساعد مقالاته القراء على فهم العمليات الاقتصادية المعقدة.