
في كلمات قليلة
تواجه فرنسا أزمة ميزانية حادة مع وصول العجز إلى 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي والدين العام إلى 114%. تبحث الحكومة عن حلول بين زيادة الضرائب وخفض الإنفاق، وتستحضر الأزمة المالية الكبرى في 1924-1926 كتحذير تاريخي. يستعرض المقال كيف أدت الانقسامات السياسية آنذاك إلى انهيار اقتصادي، وما إذا كانت فرنسا اليوم قادرة على تعلم الدرس وتجنب مصير مماثل.
مع اقتراب خريف هذا العام، تتجه الأنظار نحو مصير الميزانية الفرنسية، حيث من المتوقع أن يقدم فرانسوا بايرو لمحة أولى عن الخطة التي تعدها الحكومة. هل ستشمل هذه الخطة زيادات ضريبية جديدة؟ أم تخفيضات في الإنفاق العام؟ أم ربما الاثنين معًا؟
هذا العام، تقلصت هوامش المناورة أمام الحكومة بشكل كبير بعد نشر أرقام مقلقة. فقد بلغ عجز الميزانية 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل الدين العام إلى 114% من إجمالي الثروة المنتجة، بينما تزايدت فوائد الديون بشكل كبير. ويبدو أن الحل المفضل يجمع بين تخفيضات في الإنفاق العام وزيادات ضريبية استثنائية وإلغاء بعض الإعفاءات، لكن غموض رئيس الوزراء بشأن خططه النهائية وعدم الاستقرار السياسي يثيران قلق الأوساط الاقتصادية.
هذه المخاوف تعيد إلى الأذهان الأزمة السياسية والمالية الكبرى التي شهدتها فرنسا بين عامي 1924 و1926، والتي طواها النسيان. كانت البلاد آنذاك تتعافى بصعوبة من أهوال الحرب العالمية الأولى وتكلفتها الباهظة، حيث خرجت من الصراع بديون بلغت 125 مليار فرنك ذهبي، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لعام 1914. وبدلاً من زيادة الضرائب لتمويل المجهود الحربي، فضلت الدولة إصدار سندات قصيرة الأجل وطباعة النقود، مما أدى إلى تضخم هائل.
هروب رؤوس الأموال بسبب شبح ضريبة على رأس المال
بعد الحرب، تمسكت الدولة بوهم أن "ألمانيا ستدفع"، واستمرت في الإنفاق وتعميق العجز، قبل أن تدرك أن برلين لن تسدد الفاتورة. عندما فاز "ائتلاف اليسار" (Cartel des gauches) في الانتخابات التشريعية عام 1924، كان الدين قد وصل بالفعل إلى 150% من الناتج المحلي الإجمالي.
وكما يحذر فرانسوا بايرو اليوم من "فخ" الديون، حاول رئيس الوزراء آنذاك، إدوار هريو، وحكومته إيجاد حلول، ليس عبر خفض النفقات بل عبر البحث عن إيرادات جديدة. كان هناك إجماع على ضرورة التخلي عن التمويل القائم على التضخم، لكن اليمين أراد خفض الإنفاق العام، بينما طالب اليسار بفرض ضريبة على رأس المال لتمويل إعادة الإعمار ومعاشات العجز.
أدت فكرة فرض ضريبة على رأس المال، التي روج لها ليون بلوم، إلى إرسال إشارة كارثية لأصحاب رؤوس الأموال، مما أدى إلى تسريع هروب الثروات الفرنسية إلى البلدان المجاورة، مدفوعة بتدهور قيمة الفرنك. في غضون ثلاثة أشهر، قدرت السلطات أن 14 مليار فرنك قد هربت إلى سويسرا وحدها.
"معجزة" بوانكاريه ودروسها للمستقبل
أدى فشل الإصلاح الضريبي لائتلاف اليسار إلى سقوط حكومة هريو، وتعمقت الأزمة المالية بسبب عدم القدرة على تشكيل أغلبية برلمانية. في مواجهة هذا الوضع، تم استدعاء رئيس الوزراء الأسبق ريمون بوانكاريه لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
بمجرد تشكيل حكومة بوانكاريه، التي ضمت شخصيات من مختلف الأطياف السياسية، بدأت الثقة تعود. استعاد الفرنك ما يقرب من 50% من قيمته، وعادت رؤوس الأموال الهاربة، وتحسنت الأوضاع المالية بشكل مذهل، فيما أطلق عليه "معجزة بوانكاريه".
يكمن سر هذا التحسن في سلسلة من القرارات الحاسمة التي اتخذتها الحكومة فور تشكيلها. أعلن بوانكاريه عن تخفيضات ملموسة ورمزية في الإنفاق العام، مثل إغلاق محاكم ومقاطعات فرعية، مما أعاد الميزانية إلى شبه توازن. لكن الأهم من ذلك، وفقًا للمحللين، كان "الأثر النفسي" لعودة بوانكاريه؛ فقد كان مجرد إعلانه عن استراتيجيته كافيًا لاستعادة ثقة الأسواق والفاعلين الاقتصاديين.
على عكس حكومات ائتلاف اليسار التي بدت وكأنها تبحر بلا وجهة، وضع بوانكاريه مسارًا واضحًا وتصرف بسرعة. اليوم، يبدو أن فرنسا تواجه نفس سيناريو الانقسامات الداخلية وعدم اليقين. يحذر الاقتصاديون من أن التهرب من اتخاذ قرارات مؤلمة، كما فعلت حكومة هريو، سيكون الخيار الأسوأ. ورغم أن بوانكاريه نجح في إقناع الفرنسيين بقبول إجراءات قاسية بفضل رغبتهم في الاستقرار، إلا أن مجرد الإعلان عن تدابير جديدة اليوم قد لا يكون كافيًا لإحداث "معجزة بايرو" جديدة.