
في كلمات قليلة
يكشف تقرير جديد أن الموظفين الفرنسيين يعملون ساعات أطول من نظرائهم الألمان، مما يدحض فكرة شائعة. المشكلة الحقيقية للاقتصاد الفرنسي لا تكمن في قلة العمل، بل في انخفاض معدل التوظيف وارتفاع نسبة البطالة مقارنة بالمعايير الأوروبية.
أثارت دعوة السياسي الفرنسي البارز فرانسوا بايرو مؤخراً إلى "أن تعمل الأمة بأكملها أكثر" لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، جدلاً واسعاً. وتضمنت خطته مقترحات جريئة، منها إلغاء أيام عطل رسمية مثل اثنين الفصح و8 مايو، بهدف زيادة ساعات العمل السنوية للموظفين بدوام كامل.
تستند هذه الدعوات إلى فكرة شائعة ومُتكررة مفادها أن الفرنسيين لا يعملون بجد مثل جيرانهم الأوروبيين. وغالباً ما تُستخدم إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لدعم هذه الحجة، حيث تشير إلى أن متوسط ساعات العمل السنوية في فرنسا هو 664 ساعة فقط، مقارنة بـ 730 ساعة في ألمانيا، و767 في إيطاليا، وأكثر من 800 في البرتغال.
لكن هذا المؤشر الإحصائي خادع ولا يعكس الواقع الفعلي لساعات العمل التي يقضيها الفرنسيون النشطون في وظائفهم. السبب هو أن هذه الإحصائية تقسم إجمالي ساعات العمل على مجموع السكان، بما في ذلك الأطفال والمتقاعدين. تتمتع فرنسا بمعدل مواليد أعلى (1.78 طفل لكل امرأة) ومتوسط عمر متوقع أطول (82 عاماً) مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن نسبة أكبر من السكان غير نشطة اقتصادياً، وهو ما يخفض المتوسط العام بشكل كبير.
عند النظر إلى مؤشر أكثر دقة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والذي يركز على "ساعات العمل الفعلية" للأشخاص العاملين، تتغير الصورة تماماً. وفقاً لهذه البيانات لعام 2024، عمل الموظف الفرنسي في الواقع 1494 ساعة، وهو رقم يتجاوز نظيره الألماني الذي عمل 1340 ساعة، والهولندي (1450 ساعة). وفي المقابل، عمل الإيطاليون 1691 ساعة والبولنديون 1818 ساعة.
إذن، المشكلة الحقيقية التي تواجه الاقتصاد الفرنسي ليست قلة ساعات العمل، بل انخفاض "معدل التوظيف". ففي مارس 2025، بلغ معدل البطالة في فرنسا 7.3%، وهو من بين الأعلى في الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، يبلغ معدل النشاط الاقتصادي للفئة العمرية (15-64 سنة) 69% فقط، مقارنة بـ 78% في ألمانيا و80% في سويسرا. وهذا يعني أن عدداً أقل من السكان في سن العمل يشاركون في سوق العمل، مما يضع عبئاً أكبر على الاقتصاد. ولمواجهة هذا التحدي، تسعى الحكومة الفرنسية إلى تشديد شروط إعانات البطالة لتحفيز المزيد من الناس على إيجاد عمل، بهدف تحقيق وفورات في الميزانية تصل إلى 44 مليار يورو بحلول عام 2026.