
في كلمات قليلة
تناقش الروائية صوفي دي بير التطورات في صورة الأم ودورها في المجتمع والأدب، مسلطة الضوء على التضحية، التوقعات، وتغير النظرة إلى الأمومة عبر الأجيال.
تتأمل الروائية الفرنسية صوفي دي بير، مؤلفة رواية «سر الأمهات» الجديدة، في كيفية تطور مكانة الأم وصورتها في الوعي المجتمعي والأدب القصصي منذ الخمسينيات وحتى اليوم.
لا يتوقف الأدب والسينما والتلفزيون عن استكشاف شخصية الأم واستدعائها لرواية وشرح وطمأنة عالم يتغير باستمرار. يربط هذا الدور بين الجانب الشخصي العميق، إذ يرتبط بذاكرة الفرد وتاريخه العائلي، والجانب الكوني، فكل إنسان يختبر علاقته بنسبه. الأم مصدر إلهام بقدر ما تثير تساؤلات كثيرة.
في روايتها الجديدة، تستكشف صوفي دي بير تعددية صور الأمومة عبر ثلاثة أجيال من النساء، وتتناول بشكل خاص موضوع الأمهات غير المتزوجات والملاجيء المخصصة لهن في الستينيات. ومع اقتراب عيد الأم، تفكك الكاتبة الأشكال المختلفة للأمومة وكيف تؤثر على الخيال الأدبي وتصوراتنا.
إخلاص مطلق
«في الوعي الجمعي، تمثل الأم الحب المطلق. هي صورة المرأة المستعدة للتضحية بكل شيء، حتى بحياتها. يحيط بها هالة من الخير والحنان. ولكن هذا التصور يصاحبه العديد من التوقعات: لا يمكن للأم أن تكون متعبة، ولا يمكن أن تكون مسيئة، على سبيل المثال»، تشير صوفي دي بير.
إرث لا شعوري
تؤكد الكاتبة أن الأمهات ينقلن لأبنائهن إرثاً غير مادي. «يمكن أن نحتفظ من أمنا بعلاقة حسية، من خلال صورة، عطر، رائحة. يمكن أن تكون لحظة أيضاً، أو طبق طعام. الصورة التي نحتفظ بها عن أمنا فريدة لكل منا. هذا بالضبط، في رأيي، ما يثير شغف الكتاب. من خلال هذه الشخصية، أردت أن أتأمل في الإرث اللا شعوري الذي تتركه كل أم لطفلها: كيف نكتشفه، نتقبله، نبتعد عنه ونتحرر منه»، تقول.
حب بلا حدود
«السر وراء قدرة الأمهات على الصمود، واستعدادهن لفعل أي شيء من أجل أطفالهن، وحمايتهن لهم والاعتناء بهم، يكمن ببساطة في الحب غير المشروط. يعتقد البعض أنه لا توجد غريزة أمومة، ولكن على أي حال، عندما يكون الحب موجوداً، فإنه يبقى إلى الأبد، ومن يشعرن بالأمومة يظلن كذلك إلى الأبد»، تؤكد دي بير.
دور تحت الضغط
تغير وضع المرأة كثيراً بين ما وصفته في روايتها واليوم، ولكن لا تزال هناك، حسب الكاتبة، توجيهات مجتمعية ليست دائماً معلنة. «أعتقد أنها تأتي كثيراً من ذواتنا، عبر ثقل التاريخ. على سبيل المثال، لا يزال وقت انتهاء المدرسة يُعتبر «وقت الأمهات»: يجب دائماً أن تكون الأم هي الأكثر حضوراً بجانب الطفل. هذه التوجيهات ترسخ في وعي الأمهات، وتضع النساء على أنفسهن التزامات. في السابق، كانت الأم المثالية هي التي تبقى في المنزل وتعتني بأطفالها. اليوم، يمكنها العمل، أن تكون عزباء، أن تفوض مهام المنزل، وأن تعتمد أيضاً على الأب»، تشرح صوفي دي بير.
وتضيف: «في السياق الحالي للوالدية الواعية، يسمح الآباء لأنفسهم، على عكس ذلك، بحركات ضعف أقل. مع الكتب والبودكاست وشبكات التواصل الاجتماعي، هناك ضغط على تحقيق رفاهية وتطور الأطفال. المثال الواضح هو اختيار التخصص الجامعي. عندما تقارن الأم نفسها بالآخرين، تشعر بأنها سيئة إذا لم تكن تعرف جميع التخصصات أو جميع المسارات الدراسية. مع كمية المعلومات الهائلة القادمة من الصحف وخاصة من الشبكات الاجتماعية، يقع عبء كبير على كاهل الآباء. الابتعاد عن هذا صعب».
مجتمع أكثر انفتاحاً
«عندما كنت صغيرة، عشت في القرية. كان هناك منزل تُطلق فيه على شابة لديها طفل صفة « fille-mère » (فتاة أم). في السابق، وبشكل أساسي في المناطق الريفية، كان من الصعب جداً على النساء أن يعشن الأمومة خارج إطار الزواج. مفهوم الذنب الذي تتحمله النساء استمر حتى السبعينيات. نرى بوضوح الفرق بين «فتاة أم» في الستينيات، كما أصفها في كتابي، والآن، خصوصاً مع تقنين وسائل منع الحمل والإجهاض. لحسن الحظ، تغيرت النظرة كثيراً. لم يعد عاراً مطلقاً تربية الأطفال كامرأة وحيدة»، تلاحظ الكاتبة.
شخصية محورية
حسب صوفي دي بير، الأمومة موضوع حميمي وكوني في آن واحد. «أدركت أن جميع رواياتي مكرسة تقريباً لهذا الموضوع، لكن نيتي الأصلية لم تكن أبداً معالجته مباشرة. إنه أرضية شخصية وموضوع خصب جداً. في الأدب، من المهم فهم الشخصية من خلال إظهارها كما هي. وبوصفها في طفولتها، يمكن فهم ما أصبحت عليه. لمعرفة حقيقة شخصية ما، يجب معرفة أصلها. أعتقد أن الإنسان هو نتاج عائلي قبل أن يكون اجتماعياً. العلاقة بالأم مثيرة جداً للتحليل، لأنها أول ما يشكلنا. كوني امرأة، تمثيل الأم يسمح أيضاً بالتساؤل حول أمومتي الخاصة»، تعتقد.
ازدواجية معينة
«ما هو مثير للاهتمام أيضاً هو شخصية «الأم السيئة». أفكر في أعمال مثل «أفعى في قبضة» أو «شعر الجزر». الأمهات شخصيات قوية ومدهشة، ويُطلق عليهن أحياناً وصف «الأم السيئة». هذا ما حاولت فعله مع شخصية أوغستين في روايتي: إنها امرأة صامتة، قاسية مع أطفالها، لكنها تحبهم في أعماقها. قصتها الشخصية هي التي جعلتها هذه الأم. في المقابل، بنيت، كمرآة معكوسة، شخصية الأب كرجل حنون وعصري إلى حد ما»، روت صوفي دي بير.
«اليوم، الأم المثالية يمكنها العمل، أن تكون عزباء، أن تفوض مهام المنزل، وأن تعتمد أيضاً على الأب»، تؤكد صوفي دي بير.
بين نارين
«من الصعب أن تكوني أماً، لأنه يجب مساعدة طفلك على التطلع إلى مستقبل غير مؤكد. هناك توازن يجب إيجاده بين مساعدة طفلك على مواجهة العالم وعدم تركه يغرق في الأوهام. ليس لدي حلول جاهزة كثيرة، لكن يجب محاولة الحوار، والتبادل، والحفاظ على التوازن بين الأم الصديقة والأم التي تمثل السلطة. بناء قاعدة مطمئنة تسمح للطفل بالنضال وبناء نفسه. بعبارة أخرى، من الضروري إيجاد التوازن بين أمهات «الجيل القديم» وأمهات اليوم اللواتي يصبحن أحياناً «صديقات جداً»»، تختتم صوفي دي بير.