فرنسا تقلّص دعم التدريب المهني للطلاب الجامعيين: مخاوف بشأن مستقبل الشباب والشركات

فرنسا تقلّص دعم التدريب المهني للطلاب الجامعيين: مخاوف بشأن مستقبل الشباب والشركات

في كلمات قليلة

تُجري فرنسا تغييرات على قواعد تمويل التدريب المهني للطلاب، وتفرض مساهمات على الشركات وتخفض الدعم. يأتي هذا بسبب الحاجة لترشيد الإنفاق بعد فترة نمو كبير للنظام. التغييرات بدأت تؤدي إلى انخفاض في عدد العقود الجديدة وإثارة قلق الشركات والشباب.


اعتباراً من 1 يوليو 2025، سيُطلب من الشركات التي توظف طلاباً ضمن برامج التدريب المهني بنظام التناوب للحصول على شهادات جامعية (مستوى بكالوريوس فما فوق، المعروف بـ Bac+3 أو أعلى) دفع مساهمة مالية إلزامية. تمثّل هذه الخطوة نهاية خمس سنوات من سياسة الدعم الحكومي المكثف للتدريب المهني في فرنسا، والتي وُصفت بـ "مهما كلّف الأمر".

يشير المحللون وممثلو قطاع الأعمال إلى أن تخفيضات الميزانية العامة، بالإضافة إلى التخفيضات المتتالية في التمويل، تجعل الشركات الفرنسية "أقل رغبة في توظيف متدربين". أحدث مراحل التقليص هذه دخلت حيز التنفيذ في 1 يوليو: الشركات مطالبة الآن بالمساهمة مالياً مقابل توظيف طلاب في مستوى Bac+3 وما فوق. علاوة على ذلك، سيتم تخفيض مستوى التغطية الحكومية لتكاليف التعليم عن بعد. الهدف المعلن من هذا الإصلاح الجديد لتمويل التدريب المهني هو تحقيق وفورات بقيمة تتراوح بين 450 و500 مليون يورو في عام 2025.

في ميزانية 2025، كانت الحكومة الفرنسية قد خفضت بالفعل مبلغ المساعدة المباشرة للشركات مقابل توظيف المتدربين: من 6000 يورو لجميع الشركات إلى 5000 يورو للشركات الصغيرة والمتوسطة و2000 يورو للشركات الكبيرة. بدأت التداعيات الأولى لهذه الإجراءات تظهر بالفعل. ووفقاً للخبراء، أصبح من الصعب على الطلاب العثور على عقود تدريب هذا العام، وقلّت العروض، وأصبحت متطلبات الشركات أعلى.

الإحصاءات العامة تؤكد هذا الاتجاه: للمرة الأولى منذ عام 2018، انخفض عدد الطلاب الجدد في برامج التدريب المهني في بداية العام. في يناير 2025، تم تسجيل انخفاض بنسبة 14% في عدد العقود الجديدة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.

يعبّر ممثلو قطاع الأعمال عن قلقهم البالغ، حيث صرح نائب رئيس اتحاد الشركات الصغيرة والمتوسطة (CPME) بأن فرنسا "لديها براعة في تدمير ما ينجح"، ويصف الوضع الحالي بأنه "خطير للغاية" ووصل إلى "نقطة اللاعودة".

تأتي العودة إلى سياسة الميزانية الصارمة بعد فترة ازدهار كبيرة للتدريب المهني. فقد أدت إصلاحات واسعة لنظام التمويل في عام 2018، بالإضافة إلى إجراءات الدعم التي تم إقرارها خلال أزمة كوفيد-19 لمساعدة الشباب، إلى نتائج مذهلة. ارتفع عدد الطلاب الجدد في هذه البرامج سنوياً من 321 ألف في عام 2018 إلى 852 ألف في عام 2023، مقترباً من الهدف البالغ مليون الذي حدده الرئيس إيمانويل ماكرون. وقد وصف الخبراء هذه الفترة بـ "السنوات المجنونة".

لكن واقع الميزانية، وتحديداً العجز الكبير في ميزانية فرنسا، فرض نفسه. أدت الأوضاع المالية الحرجة إلى "إدراك أن التدريب المهني يكلف الكثير مقارنة بفعاليته". في عام 2023، أنفقت الدولة مبلغاً ضخماً بلغ 16.5 مليار يورو على نظام "alternance" (الذي يشمل التدريب المهني وعقود التأهيل)، مما أثار نقاشات حول ضرورة "العودة إلى المنطق" بعد فترة كانت بمثابة "أبواب مفتوحة" للطلاب وأصحاب العمل والمؤسسات التعليمية.

بالإضافة إلى ذلك، يُلاحظ أن السياسة الحكومية لم تكن موجهة بشكل كافٍ، مما خلق ما يسمى بـ "تأثيرات الفرصة السانحة" (effets d'aubaine)، حيث استفادت بعض الشركات من دعم كبير رغم أنها كانت ستوظف متدربين حتى بدون هذه الإجراءات الداعمة.

نتيجة سلبية أخرى، ينتقدها الباحثون والمهنيون باستمرار، هي تطور "نظام حقيقي من الاعتماد على التمويل العام". فقد تم إنشاء مؤسسات تعليمية خاصة بهدف الاستفادة من هذه الإعانات الحكومية. في بعض الحالات العملية، كان من الممكن استخدام المتدربين من قبل الشركات كقوة عاملة منخفضة التكلفة لأداء مهام روتينية كانت تُنفّذ سابقاً بواسطة موظفين دائمين.

لم يكن نجاح برامج التدريب المهني في السنوات الأخيرة متساوياً، حيث استفاد منها التعليم العالي (بدءاً من مستوى Bac+3) بشكل أساسي. أما الشباب الذين يحصلون على شهادات ذات مستوى أدنى (مثل CAP, BEP)، فقد استفادوا بشكل أقل من الزيادة الإجمالية في عدد المتدربين، رغم أنهم هم الذين يواجهون عادةً صعوبات أكبر في دخول سوق العمل. تركز البرامج في التعليم العالي أدى إلى تطويرها بشكل رئيسي في قطاع الخدمات، وليس في القطاعات الاستراتيجية التي تعاني من نقص حاد في الأيدي العاملة الماهرة (مثل الصناعة).

على الرغم من الانتقادات، يؤكد الخبراء على أنه لا يمكن التخلي عن النظام بالكامل. فقد مكّن الآلاف من الشباب من تمويل تعليمهم في مؤسسات خاصة، والذي كان من المستحيل الحصول عليه لولا ذلك إلا من خلال قروض طلابية مكلفة أو بمساعدة مالية كبيرة من العائلة. لذلك، أصبح التدريب المهني أداة مهمة لتمويل التعليم العالي للكثيرين، وليس مجرد إجراء لدعم التوظيف.

نبذة عن المؤلف

يوري - صحفي متخصص في قضايا الأمن والدفاع في فرنسا. تتميز مواده بالتحليل العميق للوضع العسكري والسياسي والقرارات الاستراتيجية.