"اقتصاد المنفى": خبير يحذر من وهم الاكتفاء الذاتي ويدق ناقوس الخطر بشأن عودة الحمائية

"اقتصاد المنفى": خبير يحذر من وهم الاكتفاء الذاتي ويدق ناقوس الخطر بشأن عودة الحمائية

في كلمات قليلة

يحلل الصحفي في "بي بي سي" بن تشو في كتابه الجديد "اقتصاد المنفى" الاتجاه العالمي نحو الحمائية. يجادل تشو بأن فكرة الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي هي خيال خطير، مستشهداً بأمثلة تاريخية وحديثة لإثبات أن العولمة، رغم تحدياتها، تظل ضرورية للازدهار العالمي.


في ظل أزمات متلاحقة، من جائحة كوفيد-19 إلى أزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا، يكتسب خطاب الحمائية والانسحاب من الاقتصاد العالمي زخماً متزايداً. تتصاعد الأصوات المنادية بالانغلاق وتقييد حركة السلع والأفراد، معززة فكرة أن العالم قد عاد إلى كونه لعبة صفرية تفتقر إلى التعاون. في هذا السياق، يقدم الصحفي في "بي بي سي"، بن تشو، في كتابه "اقتصاد المنفى" (Exile Economics)، تحليلاً عميقاً لهذه النزعة المناهضة للعولمة، محذراً من أن وهم الاكتفاء الذاتي قد يكون له عواقب وخيمة.

يصف تشو المصطلح الذي صاغه بأنه يعبر عن "حالة تنكر فيها الدول حقيقة الترابط بين الشعوب، وتقلل من أهمية التعاون متعدد الأطراف، وتسعى جاهدة لتحقيق استقلالية اقتصادية متزايدة". يوضح تشو أن هذا التوجه ليس جديداً، بل هو إغراء قديم في التاريخ، وكثيراً ما أدى إلى نتائج كارثية، كما حدث في ثلاثينيات القرن العشرين.

خرافة الاكتفاء الذاتي الغذائي

من أبرز الأوهام التي يفندها تشو هي فكرة "السيادة الغذائية". فعلى الرغم من أن الدعوات لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي تبدو منطقية، إلا أن الأرقام تحكي قصة مختلفة. يوضح تشو أن "الدراسات تظهر أن متوسط المسافة الدنيا اللازمة لإطعام كل شخص على كوكب الأرض هو 2,200 كيلومتر".

"الاكتفاء الذاتي ليس مرادفاً للأمن الغذائي. هذه فكرة شائعة جداً، لكنها خاطئة".

ويقدم أمثلة صارخة: اليابان، التي تستورد 60% من سعراتها الحرارية، تحتل المرتبة السادسة عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي، متفوقة على الولايات المتحدة التي تنتج غذاء أكثر مما تستهلك. على النقيض من ذلك، فإن زامبيا، التي لا تستورد سوى 7% من غذائها الأساسي، يعاني 70% من سكانها من انعدام الأمن الغذائي. ويكمن الفارق في أن دولاً مثل موريشيوس نجحت في الاندماج في التجارة العالمية، مما أدى إلى تحسين أمنها الغذائي بشكل كبير.

ويعد قرار سريلانكا في عام 2021 بحظر واردات الأسمدة مثالاً مأساوياً. كان الهدف الرسمي هو التحول إلى الزراعة العضوية، لكن الدافع الحقيقي كان الحفاظ على احتياطيات النقد الأجنبي الشحيحة. النتيجة كانت كارثية: بحلول عام 2023، كان أكثر من 6 ملايين سريلانكي، أي حوالي ثلث السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

معضلة الطاقة والهجرة

ينطبق المنطق نفسه على الطاقة. فبينما ينتقد الغرب الدعم الصيني للطاقة المتجددة، يذكرنا تشو بأن الصين لعبت دوراً حاسماً في خفض تكاليف الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات بنسب تصل إلى 95%. ويؤكد أنه "إذا أردنا إزالة الكربون دون تحميل الأسر تكلفة باهظة، فسنحتاج إلى السيارات الكهربائية الصينية". إن فرض حواجز جمركية قد يعيق التحول الأخضر أكثر مما يحمي الصناعات المحلية.

أما بالنسبة للهجرة، فعلى الرغم من أنها قضية ثقافية شائكة، إلا أن فوائدها الاقتصادية مثبتة. يشير تشو إلى أن المهاجرين غالباً ما يكونون أكثر ميلاً إلى تأسيس الشركات، ويلعبون دوراً حيوياً في الابتكار وسد النقص في العمالة، لا سيما في قطاعات مثل الرعاية الصحية. إن إغلاق الحدود له عواقب اقتصادية لا يمكن تجاهلها.

دروس من التاريخ

يحذر تشو من تكرار أخطاء الماضي. ففي القرن الخامس عشر، تخلت سلالة مينغ في الصين عن التفوق البحري وقررت الانغلاق، مما مهد الطريق أمام القوى الأوروبية. وبشكل أكثر حداثة، أدت موجة الحمائية في ثلاثينيات القرن العشرين، التي بدأت بقانون "هاولي-سموت" الجمركي في الولايات المتحدة، إلى تفاقم الكساد الكبير بدلاً من حله.

"يكفي مقارنة مستوى المعيشة بين اقتصاد مغلق مثل كوريا الشمالية واقتصاد مفتوح مثل كوريا الجنوبية. الفجوة بينهما هائلة".

في الختام، يشارك تشو قصته الشخصية، حيث رأى كيف غيرت العولمة حياة أسرته التي بقيت في الصين بشكل جذري، ونقلتهم من الفقر إلى مستوى معيشي لائق. ويختتم بالقول: "لقد رأيت التأثيرات الإيجابية المذهلة التي أحدثتها العولمة، ومن المقلق جداً بالنسبة لي أن أسمع مسؤولين في الولايات المتحدة يقولون إنه يجب علينا وقف كل التجارة مع الصين". على الرغم من أن العولمة خلقت مشاكل محلية، إلا أنها تظل المحرك الأقوى لرفع مستويات المعيشة على الصعيد العالمي.

نبذة عن المؤلف

يانا - صحفية متخصصة في قضايا التعليم والعلوم في فرنسا. تعتبر موادها عن الجامعات الفرنسية والإنجازات العلمية دائمًا ذات صلة ومفيدة.