
في كلمات قليلة
تعود قضية جيفري إبستين لتتصدر المشهد السياسي الأمريكي، حيث يواجه دونالد ترامب اتهامات بالتستر ومحاولة إخفاء الحقائق، مما يضعه في موقف صعب أمام قاعدته الانتخابية. يستعرض المقال كيف أن هذه الفضيحة، التي ترتكز على وقائع حقيقية ومقلقة، تغذي نظريات المؤامرة وتكشف عن انقسامات عميقة في المجتمع الأمريكي.
يعود شبح جيفري إبستين، الممول الأمريكي الذي انتحر في سجنه قبل ست سنوات، ليطارد المشهد السياسي الأمريكي، وهذه المرة يجد الرئيس السابق دونالد ترامب نفسه في قلب العاصفة. المفارقة تكمن في أن ترامب نفسه كان قد غذى لسنوات نظريات المؤامرة المحيطة بهذه القضية، التي تتهم النخبة بالتورط في شبكات الاعتداء على الأطفال.
تجددت القضية بشكل مدوٍ بعد أن أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووزارة العدل مؤخراً إغلاق التحقيق رسمياً، مؤكدين عدم اكتشاف أي أدلة جديدة. هذا الإعلان أثار غضب أنصار حركة "ماغا" (MAGA) ودوائر المؤامرة التي كانت تنتظر كشف "لائحة العملاء" المزعومة لإبستين، مما وضع ترامب في موقف حرج أمام قاعدته الانتخابية.
تزداد القضية تعقيداً بسبب التخبط في التصريحات الرسمية. فبينما ألمحت المدعية العامة في فبراير إلى وجود وثيقة قيد المراجعة، نفت وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي وجودها لاحقاً. نتيجة لذلك، يعتقد 69% من الأمريكيين أن الحكومة تخفي معلومات، مما يحول الملف إلى قنبلة موقوتة لترامب.
يرى راسل مويرهيد، أستاذ العلوم السياسية في كلية دارتموث والمؤلف المشارك لكتاب "الكثير من الناس يقولون: التآمر الجديد والاعتداء على الديمقراطية"، أن قضية إبستين تكتسب قوتها من كونها "ترتكز على جزء من الحقيقة". ويوضح مويرهيد أن هذه القضية تشبه في جوهرها النظريات الكلاسيكية، مثل اغتيال جون كينيدي، حيث يكون التفسير الرسمي غير مقنع ومُرضٍ للجمهور.
ويشير مويرهيد إلى عدة عناصر مقلقة في قضية إبستين، منها مذكرة رسمية كشفت أن عدد الضحايا يتجاوز الألف، وهو رقم صادم مقارنة بما كان يُعتقد سابقاً. كما أن التسوية القضائية المتساهلة التي حصل عليها إبستين عام 2008، والتي منحها له المدعي العام السابق ألكسندر أكوستا الذي أصبح لاحقاً وزير العمل في إدارة ترامب، لا تزال تثير تساؤلات بلا إجابات مقنعة.
ويضيف مويرهيد: "عندما تفشل الرواية الرسمية في الإجابة عن أسئلة جوهرية، فإنها تغذي دائماً وأبداً أرض المؤامرة الخصبة". ويعتقد أن طريقة تعامل الإدارة الحالية مع القضية لا تفعل سوى تعزيز الشعور بأن السلطات لديها ما تخفيه.
أصبحت نظريات المؤامرة حول شبكات الاعتداء على الأطفال جزءاً من المخيال السياسي الأمريكي، كما يتضح في نظرية "كيو أنون" (QAnon). تجسد هذه القصص فكرة الشر المطلق، حيث تستهدف النخب الفاسدة براءة الأطفال. ومع قضية إبستين، تحولت هذه الفكرة من مجرد نظرية إلى واقع ملموس، مما يمنحها قوة استثنائية وطول أمد في النقاش العام.
استراتيجية ترامب الحالية، التي تتمثل في التقليل من أهمية القضية ووصفها بـ"المملة"، تبدو وكأنها محاولة لإخفاء شيء ما. هذا الموقف قد يضعف قاعدته الصلبة التي قامت في الأساس على فكرة "تجفيف المستنقع" ومحاربة "الدولة العميقة".
ويختتم مويرهيد تحليله بالقول: "هذه القضية وحدها قد لا تكون سبب سقوطه، لكنها يمكن أن تساهم في إضعاف رئاسته بشكل أكبر". بينما يطالب الديمقراطيون بالشفافية الكاملة، يجد ترامب نفسه محاصراً بين وعوده السابقة بالكشف عن الحقيقة وبين ضرورات سياسية غامضة تجبره على الصمت، مما يترك الباب مفتوحاً أمام المزيد من الشكوك والتكهنات.