تحت قبة الخالدين: صراعات النفوذ والمال تهز أكاديميات فرنسا العريقة

تحت قبة الخالدين: صراعات النفوذ والمال تهز أكاديميات فرنسا العريقة

في كلمات قليلة

خلف الواجهة المرموقة لمعهد فرنسا، الذي يضم خمس أكاديميات، تدور صراعات خفية حول المكانة والتمويل والنفوذ. تكشف هذه التوترات عن الانقسامات الداخلية في قلب النخبة الفكرية الفرنسية، والتي من بينها الأكاديمية التي يقودها الآن الأديب أمين معلوف.


خلف الواجهة المهيبة لمبنى "الكوبول" على ضفاف نهر السين، لا تكمن الأكاديمية الفرنسية وحدها كما يعتقد الكثيرون، بل خمس أكاديميات تمثل زهرة الحياة الفكرية في فرنسا، وتُعرف مجتمعة باسم "معهد فرنسا". لكن خلف هذا الصرح الثقافي العريق، تدور صراعات خفية حول المكانة والمال والنفوذ، وهي توترات لا تُقال علناً، بل يُهمس بها في الأروقة الهادئة.

تجتمع في هذا المكان نخبة من الشخصيات البارزة، من رئيس نوبل آلان أسبكت إلى رجل الأعمال برنار أرنو، لكن هذا العالم المنغلق المليء بالطقوس والأعمال العلمية، هو أيضاً مسرح للصداقات والعداوات والغيرة التي نادراً ما تظهر للعلن.

الخالدون "الحقيقيون"... والآخرون

يثير الوضع الخاص الذي تحظى به الأكاديمية الفرنسية، التي يترأسها الآن الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف، حفيظة الأكاديميات الأخرى بانتظام. فهي تعتبر "الأولى بين أندادها"، وهو وضع غير مكتوب ولكنه معروف للجميع. لطالما رفضت الأمينة الدائمة السابقة، هيلين كارير دانكوس، إطلاق لقب "الخالدون" على أعضاء الأكاديميات الأخرى، لدرجة أنها اعترضت على تسمية مكتبة المعهد "مكتبة الخالدين". يرد بعض أعضاء الأكاديمية الفرنسية على منتقديهم قائلين: "على الأقل، الجمهور يعرفنا. أما أنتم، فيسألكم الناس غالباً: هل أنتم حقاً أكاديميون؟"

تُعتبر الأكاديمية الفرنسية الأكثر تقليدية، وهي الوحيدة التي لم تغير هيكلها أو عدد أعضائها الأربعين. ورغم الصعوبات في جذب مرشحين جدد ذوي جودة، ورغم أن جلساتها أصبحت تضم أحياناً 16 أو 17 عضواً فقط، إلا أن شهرتها ومكانتها لا تزالان على حالهما. والدليل على ذلك أن شخصيات بارزة مثل حائزي نوبل آلان أسبكت وجول هوفمان، اللذين كانا عضوين في أكاديمية العلوم، سعيا للانضمام إليها، ولا يخطر ببال أحد أن يسلك الطريق المعاكس.

عندما يتدخل المال

تزداد التوترات حدة عندما يتعلق الأمر بالمسائل المالية. فعند تنظيم فعاليات مشتركة، تصل الخلافات إلى مستوى "من سيدفع ثمن الميكروفون؟". غالباً ما تتجه الأنظار إلى أكاديمية الفنون الجميلة، التي تملك ممتلكات قيمة مثل منزل وحدائق كلود مونيه، مما يجعلها الأغنى بميزانية تبلغ 41 مليون يورو. في المقابل، يعاني المعهد ككل من عجز مالي، مما يجعل تمويل أعمال الصيانة العاجلة، مثل إصلاح 450 لوحاً زجاجياً تحطم في عاصفة أخيرة، أمراً معقداً.

وقد رفضت إحدى الأكاديميات مؤخراً اقتراحاً بتأجير جزء من المبنى لعرض أزياء لإحدى العلامات التجارية الكبرى، خوفاً من الإزعاج في يوم جلستها، مما حرم المعهد من إيرادات كبيرة.

السياسة والانتخابات الداخلية

تمتد الخلافات إلى الانتخابات الداخلية. ففي أكاديمية الفنون الجميلة، تحول انتخاب عضو جديد إلى فضيحة عامة بعد تسريب أسماء المرشحين للصحافة، وانتهى الأمر بانتخاب "أبيض" لعدم حصول أي مرشح على الأغلبية المطلوبة. وفي أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، أثار انتخاب رجل الأعمال الملياردير برنار أرنو، رئيس مجموعة LVMH، جدلاً حاداً، حيث رأى البعض أنه ينتمي إلى أكاديمية الفنون كممول للفن وليس هنا، بينما شكك آخرون في مدى التزامه بالحضور.

كما أن المواقف السياسية تزيد من تعقيد المشهد. فعندما استضاف المعهد ندوة حول المناخ شارك فيها أحد المتشككين في ظاهرة الاحتباس الحراري، أثار ذلك قلق أكاديمية العلوم. كما أن الدعم الذي قدمه مستشار المعهد، كزافييه داركوس، لمؤسسة تدعم التعليم الخاص أثار جدلاً واسعاً، خاصة بعد إدانة داركوس نفسه في قضية توظيف غير قانوني، مما أضعف موقفه.

في ظل هذه الأجواء المشحونة، ومع اقتراب الاستحقاقات السياسية المقبلة في فرنسا، يبدو أن النقاشات الحادة داخل معهد فرنسا لم تبدأ بعد، وأن الصراع بين الحفاظ على التقاليد ومواجهة تحديات العصر الحديث سيستمر خلف الأبواب المغلقة لسنوات قادمة.

نبذة عن المؤلف

إيلينا - صحفية تحقيقات ذات خبرة، متخصصة في المواضيع السياسية والاجتماعية في فرنسا. تتميز تقاريرها بالتحليل العميق والتغطية الموضوعية لأهم الأحداث في الحياة الفرنسية.