فنسان ديليرم ينتقد "نموذج الثمانينات الصاخب": "الجدارية" قصيدة غنائية جديدة احتفاءً بالمتواضعين

فنسان ديليرم ينتقد "نموذج الثمانينات الصاخب": "الجدارية" قصيدة غنائية جديدة احتفاءً بالمتواضعين

في كلمات قليلة

في حوار حول ألبومه الجديد "الجدارية"، يصف فنسان ديليرم عمله بأنه سيرة ذاتية تحتفي بالحب والأشخاص الذين شكلوا شخصيته. وينتقد ديليرم النموذج الاجتماعي الذي ظهر في الثمانينات، المتمثل في "الأشخاص الذين يتحدثون بصوت عالٍ ولا يعتذرون عن وجودهم"، مقدماً أغنية كـ"قصيدة غنائية" للناس الأكثر تحفظاً وتواضعاً.


في حوار مطول، كشف المؤلف والمغني الفرنسي فنسان ديليرم عن تفاصيل ألبومه الجديد "الجدارية" (La Fresque)، الذي وصفه بأنه عمل سيرة ذاتية غني بالتجارب الحياتية. ويأتي هذا الألبوم تتويجاً لمسيرة فنية متنوعة شملت الموسيقى التصويرية، والتصوير الفوتوغرافي، والأفلام الوثائقية الحميمة، مثل فيلم "القلب الذي ينبض" (Le Cœur qui bat) الصادر عام 2024.

يجمع ديليرم، الشاعر البالغ من العمر 48 عاماً، في "الجدارية" بين ثلاثة أزمنة – الماضي والحاضر والمستقبل – عبر ثلاث عشرة أغنية، مستخدماً موضوعه المفضل: الحب. يتميز الألبوم بأسلوبه السردي المتوهج، المليء بالصور المتلاحقة، واستحضار الروائح والأضواء، ما يجعله بمثابة احتفاء بالإحساس المرهف.

تراكم التجارب بدلاً من الخيال

وعن مصدر إلهام ألحان "الجدارية"، أشار ديليرم إلى أن الدافع الأساسي يظل هو نفسه: نقل المشاعر. لكنه أكد أنه لم يكن ليتمكن من كتابة هذه الأغاني في سن العشرين. ففي شبابه، كان يستوحي من أفلام كبار المخرجين ويمزجها بأوهامه الخاصة، كما في أغنية "فاني أردان وأنا". أما اليوم، فقد تراكمت لديه تجارب الحياة: "عشت، أحببت، فقدت أحباء. هذه المشاعر والصور تتوالى في "الجدارية"، حيث أحتفي بالأشخاص الذين ساهموا في بناء شخصيتي، من قدواتي الأولى إلى أحبائي وأصدقائي".

يرفض ديليرم فكرة تقديم الفنان لنفسه كـ"كيان قائم بذاته" ومنفصل عن محيطه، مؤكداً أن الهوية لا تنفصل عن الأشخاص المحيطين بنا. ويستمد إلهامه من تقاربه مع فنانين مثل الرسام إدوارد هوبر والمخرج لوكا غواداغنينو والشاعر فيرلين، بالإضافة إلى تأثير جده الذي علمه أن "الذاكرة تساعد على الاحتفاء باللحظة الحالية، وليست مجرد ماضٍ".

نقد لنموذج الثمانينات الصاخب

في أغنية "جيش الظلال الهشة" (L’armée des ombres fragiles)، يقدم ديليرم تحية للأشخاص الكتومين والمتحفظين والخجولين، في رد فعل واضح على ضجيج العصر الحالي. وعن هذا، يقول: "ولدت في نهاية السبعينات، وفي الثمانينات، قُدّم لنا نموذج جديد، زُعم أنه رائع، يتمثل في أشخاص يتحدثون بصوت عالٍ ولا يعتذرون عن وجودهم. لكنني شخصياً أميل إلى الأشخاص الأكثر تحفظاً، الذين لديهم بعض التعقيدات. أنا أحب الخجل، الذي هو شكل من أشكال الوعي الحاد والتواضع".

ويعتبر ديليرم أن هذا "الجيش من الظلال الهشة" يمثل الأغلبية الصامتة التي لا تُسمع أصواتها كثيراً، ولكنه يرى فيها قوة حقيقية. ويستمد ديليرم نظرته الثاقبة هذه من "ثقافة الشظايا" التي تميز الموجة الجديدة الفرنسية (التيار السينمائي الجديد)، حيث يمكن بناء عمل فني كامل من عناصر تبدو غير مهمة، على طريقة غودار. ففي لحظة الوقوع في الحب، على سبيل المثال، يصبح كل شيء حاداً ومضاعفاً بالمعنى: صوت ورقة، مرور سيارة. هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تفتح الباب لشيء أوسع وأكثر عمقاً.

رفض تصغير "الأشياء المهمة"

كما يعرب ديليرم عن حذره من ربط كلمة "صغير" بأي شيء ذي قيمة، مشيراً إلى أن الناس غالباً ما يفتقرون إلى الشجاعة لمشاركة اللحظات المهمة بالنسبة لهم خوفاً من اعتبارها "تافهة". ويؤكد على ضرورة الاعتزاز بهذه اللحظات ومحاولة نقلها. وقد ورث ديليرم هذا التوجه من والديه، اللذين ربياه على ثقافة حميمية وبسيطة، حيث كان التركيز على "تشريح شعور مثل الحب للوصول إلى الجوهر".

وفي ختام حديثه، تطرق ديليرم إلى وصفه بـ"البوهيمي البرجوازي" (بوبو)، مشيراً إلى أن الفنان يجب أن يقدم شيئاً لا يشبه أي شيء آخر. ويؤكد أن التحدي في العمل على مواضيع شخصية هو جعلها عالمية، لأن ما ينتظره الجمهور من الأغنية هو أن تهز أوتار المشاعر الداخلية.

نبذة عن المؤلف

كريستينا - صحفية تكتب عن التنوع الثقافي في فرنسا. تكشف مقالاتها عن الخصائص الفريدة للمجتمع الفرنسي وتقاليده.