فرنسا على صفيح ساخن: قانون للمبيدات الحشرية يشعل حرباً بين البيئة والاقتصاد

فرنسا على صفيح ساخن: قانون للمبيدات الحشرية يشعل حرباً بين البيئة والاقتصاد

في كلمات قليلة

يثير قانون جديد في فرنسا يسمح بإعادة استخدام مبيد الأسيتاميبريد جدلاً واسعاً. وفيما يحذر نشطاء البيئة من مخاطر صحية وبيئية، يؤكد خبراء أن النقاش تغلب عليه العاطفة والأيديولوجيا أكثر من الحقائق العلمية، وأن حظر مثل هذه المواد يهدد الأمن الغذائي والقدرة التنافسية للزراعة الفرنسية.


تشهد فرنسا حالة من الاستقطاب الشديد وعاصفة من الجدل العام، كان محورها قانوناً جديداً يعرف باسم "قانون دوبلومب"، والذي أعاد السماح باستخدام مبيد حشري من نوع "أسيتاميبريد". وقد أشعل هذا القرار نقاشاً وطنياً حاداً، ووصل الأمر إلى إطلاق عريضة إلكترونية حصدت أكثر من 1.8 مليون توقيع، مما يعكس حجم الانقسام في المجتمع الفرنسي.

في قلب الجدل يقف مبيد "أسيتاميبريد"، وهو مركب كيميائي من عائلة النيونيكوتينويد، كان محظوراً لمدة خمس سنوات. يرى المزارعون وبعض القطاعات الزراعية أنه لا غنى عنه لحماية المحاصيل، خاصة أنه مستخدم في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. في المقابل، يعتبره معارضوه، وعلى رأسهم نشطاء البيئة، تهديداً خطيراً للصحة العامة والبيئة.

ويرى خبراء ومحللون أن النقاش الحالي قد تم اختطافه من قبل العاطفة والأيديولوجيا على حساب الحقائق العلمية. ويشيرون إلى وجود فجوة كبيرة بين المحتوى الفعلي للقانون والطريقة التي يُقدم بها للجمهور. فبينما يصور بعض النشطاء القانون على أنه "يصادق على نشر السرطان بين الفرنسيين"، يؤكد الخبراء أن الواقع أكثر تعقيداً.

علمياً، لم تربط أي دراسة موثوقة بين "أسيتاميبريد" وزيادة خطر الإصابة بالسرطان. بل على العكس، أظهرت إحدى الدراسات أن المزارعات، رغم تعرضهن للمبيدات بنسبة أعلى، لديهن معدلات إصابة بسرطان الثدي أقل بنسبة 18% من باقي النساء. كما أن الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA) تصرح باستخدامه، معتبرة أنه الأقل ضرراً بين مبيدات النيونيكوتينويد، حيث يتحلل بسرعة في البيئة وسُميته أقل على النحل. ورغم وجود شكوك حول تأثيره على الغدد الصماء عند التعرض لجرعات عالية، فإن اللوائح الفرنسية تفرض حدوداً أقل بكثير من المستويات التي قد تظهر فيها هذه المخاطر.

ويكشف الجدل عن صراع أعمق بين رؤيتين للزراعة. من ناحية، هناك الرؤية المثالية لـ "الزراعة الفلاحية" القائمة على مزارع صغيرة وعمالة يدوية. ومن ناحية أخرى، "الزراعة الإنتاجية" التي تسعى لزيادة المحصول في مساحة أقل لضمان الأمن الغذائي وتوفير أسعار معقولة للمستهلكين. ويحذر الخبراء من أن التخلي عن أساليب الزراعة الحديثة والمبيدات سيؤدي حتماً إلى انهيار الإنتاج الزراعي، وارتفاع هائل في الأسعار، واعتماد فرنسا على استيراد أغذية تمت معالجتها بنفس المواد التي تحظرها.

كما يسلطون الضوء على أن الزراعة العضوية نفسها ليست خالية من المشاكل، فهي تستخدم مبيدات مثل "مزيج بوردو" و"سبينوساد"، والتي لها آثارها البيئية والصحية المثيرة للجدل. ويؤكدون أن إطعام سكان العالم البالغ عددهم ثمانية مليارات نسمة يتطلب نهجاً واقعياً يوازن بين الفوائد والمخاطر، بدلاً من الشعارات العاطفية.

في ظل هذا الاستقطاب، يبدو المستقبل السياسي غير مؤكد. فأي قرار تتخذه الحكومة سيؤدي إلى احتجاجات، إما من قبل المزارعين إذا تم التراجع عن القانون، أو من قبل نشطاء البيئة إذا تم تطبيقه. ومع ذلك، يبقى الأمل في أن تهدأ العاصفة العاطفية ليفسح المجال لنقاش عقلاني قائم على العلم، تماماً كما تغير الرأي العام تجاه الطاقة النووية في السنوات الأخيرة.

نبذة عن المؤلف

ناتاليا - صحفية اجتماعية، تغطي قضايا الهجرة والتكيف في فرنسا. تساعد تقاريرها السكان الجدد في فهم البلاد وقوانينها بشكل أفضل.