تحليل: اليسار الفرنسي يواجه اتهامات بـ«النفاق الأخلاقي» وتجاهل تزايد معاداة السامية

تحليل: اليسار الفرنسي يواجه اتهامات بـ«النفاق الأخلاقي» وتجاهل تزايد معاداة السامية

في كلمات قليلة

أثارت جريمة قتل وقعت مؤخراً في مسجد بفرنسا انتقادات للأحزاب اليسارية، لا سيما حركة LFI، المتهمة باستغلال المأساة سياسياً لترويج رواية «الإسلاموفوبيا» وتجاهل تزايد معاداة السامية. يرى محللون أن هذا التكتيك يظهر «نفاقاً أخلاقياً» ويساهم في انقسام المجتمع.


يشير محللون ومعلقون على الساحة السياسية الفرنسية إلى تحول أيديولوجي كبير في الأحزاب اليسارية، لا سيما حركة «فرنسا الأبية» (LFI). يرى هؤلاء المحللون أن هذا التحول يؤدي إلى ما يسمونه «نفاقاً أخلاقياً» ويشكك في إنسانيتهم المعلنة.

أحد الأمثلة الحديثة التي أثارت نقاشاً واسعاً هو حادثة مقتل أبوبكر سيسيه في مسجد لا غران كومب في 25 أبريل 2025. رغم مأساوية الحدث، سارع ممثلو حركة LFI وحلفاؤهم إلى وصفه كرمز لموجة مزعومة ومتزايدة من «الإسلاموفوبيا». صرح سياسيون، بمن فيهم مانويل بومبار وفابيان روسيل، بإدانتهم لرد فعل الدولة، مشيرين إلى «معايير مزدوجة» مفترضة ومنتقدين وزير الداخلية برونو ريتايو لتأخره في الاستجابة.

لكن الوقائع التي قدمها مدعي عام أليه، عبد الكريم غريني، ترسم صورة مختلفة. يبدو أن القاتل، وهو شاب فرنسي من أصل بوسني، كان يعاني من اختلال عقلي وكان الدافع وراء جريمته هو الرغبة في القتل بشكل عام أكثر من الكراهية للمسلمين. أشار المدعي العام إلى أنه على الرغم من أن فرضية الدافع الديني تم النظر فيها، إلا أن الدافع المهيمن كان على الأرجح الرغبة المرضية في أن يصبح قاتلاً متسلسلاً. هذا يعني أن الضحية ربما اختير بشكل عشوائي بسبب ضعفه في المكان الذي اختاره القاتل لتنفيذ جريمته.

الرواية التي تصور الجالية المسلمة كضحية رئيسية للعنف العنصري لا يدعمها أيضاً الإحصاءات. تظهر البيانات أن أعمال العنف العنصري تستهدف مجموعات أخرى بشكل أكبر بكثير، ولا سيما اليهود. في الفترة ما بين 2020 و 2023، شهدت فرنسا ارتفاعاً هائلاً في الأعمال المعادية للسامية بنسبة 284%، بينما كان الارتفاع في الأعمال المعادية للمسلمين أقل بكثير. يشير النقاد إلى أنه إذا كانت هناك «معايير مزدوجة»، فهي تكمن في هذا التفاوت الصارخ.

كما ينتقد السياسيون اليساريون الوزير ريتايو لتأخره في زيارة موقع الجريمة لمدة يومين. ومع ذلك، يعتبر محللون هذا التأخير معقولاً بالنظر إلى الأزمات المتعددة التي يواجهها وزير الداخلية. زار ريتايو المكان، عبر عن تعاطفه مع الضحية، وحتى أعلن عن تعزيز الإجراءات الأمنية حول أماكن العبادة المسلمة. الإشارة إلى وضع الهجرة غير النظامي للضحية، بحسب المدافعين عنه، لم تكن وصماً، بل كانت تفسيراً لصعوبة تحديد مكان عائلة أبوبكر، التي كانت منتشرة في عدة دول أفريقية. ومع ذلك، استغل اليسار هذه النقطة كذريعة لاتهامات بالازدراء والعنصرية.

وفقاً للمحللين، فإن حركة LFI، بقيادتها لهذه الانتقادات، تجذب معها حتى شخصيات تاريخية من الحركة اليسارية. على سبيل المثال، سيغولين رويال، التي قللت خلال مظاهرة مناهضة للإسلاموفوبيا من شأن الإهانات المعادية للسامية التي وجهت لنائب اشتراكي، واصفة إياها بـ«تصرفات طفولية» وربطتها بـ«الغضب» حول الوضع في غزة. يعتبر النقاد أن هذا السلوك يمثل تساهلاً مع معاداة السامية التي تنتشر في أوساط معينة من اليسار، متنكرة تحت قناع مناهضة الصهيونية. في ضوء الارتفاع الكبير في الحوادث المعادية للسامية في فرنسا (1570 حالة في عام 2024 وفقاً لـ CRIF)، يُنظر إلى هذا التقليل من الشأن على أنه أكثر من مجرد حرج.

يعتقد محللون أنه من خلال استغلال مأساة أبوبكر، وتوجيه اتهامات لا أساس لها ضد وزير تصرف في حدود دوره، وغض الطرف عن المظاهر المعادية للسامية في صفوفهم، تساهم LFI وحلفاؤها في زيادة الانقسام في المجتمع. اليسار الفرنسي، الذي كان يوماً ما يحمل لواء العالمية، أصبح الآن، كما يزعم، يقلد الأساليب التي كان يدينها لدى خصومه: الشعبوية، المبالغة، والطائفية المقنعة بصعوبة.

لا يعتبر هذا الانحراف، بحسب بعض المراقبين، ظاهرة عابرة، بل يندرج في سياق تاريخي أوسع لمعاداة السامية اليسارية. تشير منشورات حديثة، تحلل جذور ما يسمى بـ«الإسلامو-غوشية»، إلى تقليد قديم في الأوساط اليسارية حيث تداخل نقد الرأسمالية أو مناهضة الإمبريالية أحياناً مع تحيزات معادية لليهود. يُزعم أن LFI لا تبتكر شيئاً جديداً، بل تعيد تدوير أفكار قديمة، وتكيفها مع شريحة معينة من الناخبين، بما في ذلك جزء من الجالية العربية المسلمة والشباب. هذا «التراجع»، الذي يعد متناقضاً بالنسبة لحركة تدعي التقدمية، يشير، بحسب النقاد، إلى عدم قدرة اليسار على مواجهة «شياطينه» الداخلية.

وهكذا، فإن جزءاً من اليسار الفرنسي، الذي وقع تحت تأثير جناحه المتطرف، لم يبق منه، بحسب المحللين، سوى هيكل سياسي يستبدل العقل بالعاطفة، والفروق الدقيقة بالمبالغة، والديمقراطية بوضعيات أخلاقوية. وتحت هذه «الوضعيات» يختبئ، كما يُزعم، «الخداع».

Read in other languages

نبذة عن المؤلف

كريستينا - صحفية تكتب عن التنوع الثقافي في فرنسا. تكشف مقالاتها عن الخصائص الفريدة للمجتمع الفرنسي وتقاليده.