
في كلمات قليلة
أطلقت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية برنامجًا بحثيًا طموحًا بقيمة 170 مليون دولار يهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء توصيات غذائية مخصصة. من خلال تحليل الجينات والميكروبيوم ونمط الحياة، يسعى العلماء إلى التنبؤ بكيفية تفاعل كل فرد مع الأطعمة المختلفة، مما يمثل ثورة محتملة في الوقاية من الأمراض المزمنة.
تخيل شخصين يتناولان نفس قطعة الحلوى بالضبط. يرتفع مستوى السكر في دم الشخص الأول بشكل طفيف ثم يعود إلى طبيعته، بينما يعاني الثاني من ارتفاع حاد ومفاجئ. هذا التباين هو ما كشفته الدراسات الحديثة، حيث أظهرت أن استجابة الأيض لدى الأفراد لنفس الوجبة يمكن أن تختلف بمقدار عشرة أضعاف. فكل جسم يتفاعل مع الطعام بطريقة فريدة تمامًا.
هذه الحقيقة تمثل ثورة في مجال التغذية، وهو ما دفع معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) إلى إطلاق أحد أطمح برامج أبحاث التغذية في العالم، تحت اسم \"التغذية من أجل صحة دقيقة\". يهدف البرنامج، الممول بميزانية قدرها 170 مليون دولار على مدى خمس سنوات، إلى تطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ بكيفية استجابة كل فرد للطعام، وذلك بناءً على تحليل شامل لجيناته، والميكروبيوم (بكتيريا الأمعاء)، والمؤشرات الحيوية، ونمط الحياة، والعوامل البيئية.
تأمل الدكتورة هولي نيكاسترو، أخصائية التغذية ومنسقة البرنامج، أن يغير هذا النهج طريقتنا في التعامل مع الغذاء، بل وربما يساهم في الوقاية من الأمراض المزمنة. ويكمن خلف هذا الطموح التكنولوجي تحدٍ كبير للصحة العامة العالمية، حيث تشير التقديرات إلى أن سوء التغذية مسؤول عن 11 مليون حالة وفاة سنويًا في جميع أنحاء العالم.
وأوضحت نيكاسترو أن التوصيات الغذائية الحالية، حتى تلك المثبتة علميًا، تظهر نتائج متباينة بين الأفراد. فإلى جانب العوامل المعروفة مثل العمر والجنس والوزن، هناك عوامل أخرى حاسمة مثل الجينات، والميكروبيوم المعوي، والوضع الهرموني للنساء، والظروف البيئية والاجتماعية، مثل العيش في \"صحاري غذائية\" حيث يقل الوصول إلى المنتجات الطازجة.
نحن نعلم بالفعل أن بعض الجينات تؤثر على كيفية تعامل أجسامنا مع اللاكتوز أو الكافيين. كما تتغير احتياجاتنا الغذائية مع تقدمنا في العمر، حيث يحتاج كبار السن إلى المزيد من فيتامين B12 والكالسيوم والبروتين للحفاظ على صحة العظام والعضلات والدماغ.
ويلعب الميكروبيوم دورًا محوريًا أيضًا. فقد أظهرت الأبحاث أن تكوين بكتيريا الأمعاء لدى شخص ما يمكن أن يحدد كيفية ارتفاع وانخفاض نسبة السكر في دمه بعد تناول وجبة، مما يعني أن شخصين قد تكون لهما استجابات معاكسة تمامًا لنفس الطعام، كالموز أو الخبز. هذا يؤكد أن التوصيات الغذائية الموحدة ذات فعالية محدودة.
في المستقبل، وبفضل هذه الأبحاث، من المأمول تطوير أدوات تساعد الناس على تكييف نظامهم الغذائي بناءً على خصائصهم الفريدة. ستستخدم الخوارزميات بيانات ضخمة حول الجينوم، والميكروبيوم، والنشاط البدني، والنوم، ومراقبة نسبة السكر في الدم باستمرار لتقديم توصيات دقيقة.
من المتوقع أن تكون البيانات والخوارزميات الأولى متاحة للباحثين بحلول عام 2027. ورغم أن الذكاء الاصطناعي سيحسن دقة التوصيات، إلا أنه لن يحل محل الحكم البشري والدعم الشخصي، خاصة وأن خيارات الطعام تتأثر بعوامل معقدة كالثقافة والعواطف.
يهدف البرنامج إلى توظيف مشاركين من خلفيات متنوعة لضمان أن تكون النتائج قابلة للتطبيق على نطاق واسع، مما قد يساعد في توجيه السياسات الصحية وتحسين صحة الجميع في المستقبل.