أوروبا وإعادة تشكيل استراتيجيتها: كيف يفرض التهديد الروسي وعامل ترامب واقعاً جديداً؟

أوروبا وإعادة تشكيل استراتيجيتها: كيف يفرض التهديد الروسي وعامل ترامب واقعاً جديداً؟

في كلمات قليلة

يحلل أستاذ السياسة الدولية كريستوف ماير كيف يعيد التهديد الروسي واحتمالية رئاسة ترامب تشكيل الثقافة الاستراتيجية والدفاعية في أوروبا. تواجه القارة تحديات منقسمة بين التقارب في وجه الخطر، والاختلافات الوطنية، وصعوبة مواجهة الحروب الهجينة التي تجعل أوروبا في حالة "لا سلم ولا حرب".


يشهد المشهد الجيوسياسي في أوروبا تحولاً عميقاً، حيث تجد القارة نفسها في قلب صدمة استراتيجية. وفقاً لكريستوف ماير, أستاذ السياسة الدولية والأوروبية في كلية كينجز لندن ومتخصص في الثقافة الاستراتيجية، فإن التهديد الروسي المتزايد يعيد تشكيل التحالفات والأولويات الدفاعية، بينما تلوح في الأفق تحديات جديدة، لا سيما مع احتمالية تغير السياسة الأمريكية.

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز وحدته الدفاعية، مع تركيز متزايد على الدفاع الإقليمي. هذا التوجه يعكس تراجعاً عن سياسات التدخل الليبرالي السابقة واعترافاً واسعاً بالتهديد الذي تمثله روسيا. وقد شهدت دول مثل الدنمارك تحولاً جذرياً، حيث تخلت عن بند عدم المشاركة في سياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن هذا التقارب على مستوى النخب السياسية قد لا يجد صداه بالضرورة لدى الرأي العام، حيث تظل نقاشات صعبة، مثل إعادة تفعيل التجنيد الإلزامي، قائمة في دول مثل ألمانيا.

تتباين الثقافات الاستراتيجية بشكل كبير داخل أوروبا. فمن ناحية، هناك دول محايدة مثل أيرلندا، التي تواجه صعوبة في حماية البنية التحتية الحيوية كالكابلات البحرية وفي كشف تسلل العملاء الروس. ومن ناحية أخرى، تعمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي على تطوير ثقافة استراتيجية خاصة بها، منفصلة عن الثقافات الوطنية. وتطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الأمن الأوروبي: هل يمكن أن يستمر بدون دعم أمريكي كامل؟ هل يجب أن يرتكز على الناتو أم على الاتحاد الأوروبي؟ يبدو أن هناك حاجة لكلا المنظمتين، لكن كيفية تنظيم التعاون بينهما تظل موضع نقاش.

توجد اختلافات واضحة في المواقف تجاه التهديدات. فدولة مثل إسبانيا، ذات الإنفاق الدفاعي المنخفض، ترى أن التهديدات الرئيسية قادمة من الجنوب وليس من روسيا، وبالتالي فإنها أقل استعداداً للمخاطرة من أجل أوكرانيا. هذا يفتح الباب أمام تشكيل "تحالفات الراغبين" بين الدول التي تتشارك نفس الرؤية للتهديد الروسي ومستعدة لاتخاذ خطوات أبعد.

يمكن تصنيف القوى الأوروبية إلى فئات متميزة:

  • القوى الكبرى: فرنسا والمملكة المتحدة، كإمبراطوريات سابقة وقوى نووية، تدركان أهمية القوة والدفاع عن المصالح الوطنية والمعايير الدولية.
  • الدول المحايدة: دول مثل أيرلندا ومالطا والنمسا، التي ترى في الحياد وسيلة للحماية، وغالباً ما يكون إنفاقها الدفاعي منخفضاً.
  • دول خط المواجهة: دول البلطيق وبولندا وفنلندا، التي عانت من العدوان الروسي تاريخياً وتعتبره التهديد الأمني الأول، مما يضع الدفاع الإقليمي على رأس أولوياتها.

لقد أحدثت احتمالية عودة ترامب إلى الرئاسة صدمة، خاصة لدى الدول الأكثر ارتباطاً بالولايات المتحدة. فبينما حذرت دول أوروبا الشرقية طويلاً من الخطر الروسي، جاء الآن دور فرنسا لتحذر، وإن بلباقة، من الاعتماد المفرط على واشنطن. لقد كان مؤتمر ميونخ للأمن بمثابة جرس إنذار لألمانيا، حيث أشار المسؤولون الأمريكيون ليس فقط إلى أن على أوروبا تحمل مسؤولية أمنها، بل وهددوا بالضغط على الحكومات الأوروبية إذا استمرت في تنظيم شركات التكنولوجيا الأمريكية.

تُعد التهديدات الهجينة، مثل الهجمات السيبرانية والتخريب، تحدياً إضافياً. فروسيا لا تفرق بين الوسائل المدنية والعسكرية، بينما يصر الأوروبيون على هذا الفصل. وقد أصبحت البنية التحتية الحيوية، مثل الكابلات البحرية وشركات الدفاع، هدفاً بالفعل. ورغم عدم وجود دبابات تعبر الحدود، فإن أوروبا لم تعد في حالة سلام. الهجمات تحدث الآن، لكن هناك تردداً في تسميتها بأسمائها الحقيقية وفي كيفية الرد عليها، مما يضع أوروبا في منطقة رمادية بين السلم والحرب.

نبذة عن المؤلف

ماريا - صحفية في قسم الثقافة، تغطي الأحداث في عالم الفن والترفيه في فرنسا. تجد مقالاتها عن هوليوود، برودواي، والمشهد الموسيقي الأمريكي صدى لدى القراء.