
في كلمات قليلة
كان استفتاء عام 2005 على الدستور الأوروبي نقطة تحول في السياسة الفرنسية. كشف عن انقسام مجتمعي عميق جديد، يقوم على الموقف من العولمة وتأثيراتها، بدلاً من الانقسام الأيديولوجي التقليدي بين اليسار واليمين.
بينما يتحدث الرئيس إيمانويل ماكرون عن احتمال إجراء استفتاءات جديدة، تعود الأذهان إلى استفتاء عام 2005 على مشروع الدستور الأوروبي. يظل هذا الاستفتاء حدثاً فاصلاً في الذاكرة الفرنسية، إذ اعتبر إشارة إلى إعادة تشكيل سياسي قادمة.
في ظل نقاش عام يزداد استقطاباً وتطرفاً، مع خطاب متشدد ودوغماتية واضحة لدى البعض، يبدو من غير المتصور أن تتحد شخصيات من أطياف سياسية متناقضة للدفاع عن قضية مشتركة. ومع ذلك، هذا ما حدث قبل نحو عشرين عاماً، في مارس 2005. حينها، نجحت مجلة شهيرة في جمع قادة الحزب الاشتراكي وحزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" (الذي أصبح لاحقاً "الجمهوريون") على غلاف واحد للحوار بهدوء لدعم التصويت بـ "نعم" على المعاهدة المقترحة.
قبل أسابيع من الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس آنذاك جاك شيراك، اختار مؤيدو المعاهدة توحيد صفوفهم في حملة التأييد. كانت الصورة التي جمعت قادة الأحزاب المتنافسة رمزاً لهذه اللحظة النادرة من التوحد.
لم يكن استفتاء معاهدة إنشاء دستور لأوروبا مجرد تصويت على نص محدد. لقد كشف عن تحولات عميقة داخل المجتمع والسياسة الفرنسية. إذا كان الانقسام الرئيسي تقليدياً بين قوى اليسار واليمين، فإن حملة 2005 أظهرت ظهور ثنائية جديدة: بين من اعتبروا أنفسهم "رابحي العولمة" المندمجين في السوق العالمية والداعمين للتكامل الأوروبي، وبين من شعروا بأنهم "خاسرون" من هذه العمليات، معربين عن قلقهم بشأن فقدان السيادة، فرص العمل، والاستقرار الاجتماعي.
على الرغم من رفض مشروع الدستور في النهاية من قبل غالبية الفرنسيين، فإن نتائج الاستفتاء حددت بوضوح نقاط التوتر الجديدة في السياسة. هذا التحول - من المواجهة الإيديولوجية بين اليسار واليمين إلى صراع بين مؤيدي ومعارضي العولمة والتكامل الأوروبي - أصبح عاملاً حاسماً في تشكيل المشهد السياسي الفرنسي لسنوات قادمة، مما أدى إلى إعادة تنظيم النظام الحزبي وظهور قوى وتحالفات سياسية جديدة.