
في كلمات قليلة
يهدف برنامج الإسعافات الأولية للصحة النفسية إلى تزويد الأفراد بالمهارات اللازمة لتقديم الدعم الأولي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، مع التركيز على أهمية الاستماع دون حكم وتوجيههم نحو الرعاية المتخصصة.
نعرف جميعاً كيف نتصرف عندما يفقد شخص وعيه جسدياً، ولكن كيف يمكننا تقديم المساعدة عندما يفقد شخص ما توازنه النفسي والعقلي؟ كيف نساعد زميلاً انعزل في مكتبه، أو صديقاً يكرر عبارة "أنا متعب" بغياب، أو شخصاً يعاني من نوبة بكاء مفاجئة؟
قد تكون هذه الإشارات، مهما بدت بسيطة، نداءً صامتاً لطلب المساعدة. لكن عند مواجهة حالات مثل الإدمان، أو الاكتئاب، أو التفكير في الانتحار، غالباً ما تكون كلماتنا وتصرفاتنا غير ملائمة. وللإجابة على هذه التساؤلات، وُلد برنامج «الإسعافات الأولية للصحة النفسية» (PSSM)، وهو برنامج عالمي يهدف إلى تزويد أي شخص بالمهارات اللازمة للاستماع والتوجيه، والأهم من ذلك، عدم غض الطرف.
الهدف هو تمكين الأفراد من تقديم الدعم الأولي في الوقت المناسب، خاصة وأن الإحصائيات تشير إلى أن شخصاً واحداً من كل خمسة أشخاص يتأثر باضطراب نفسي سنوياً. تشاركنا مونيا زاديني، وهي مدربة معتمدة في هذا المجال، الخطوات الأولية التي يجب اتباعها، والتي يمكن تلخيصها في خمسة مبادئ أساسية:
5 مبادئ لتقديم الدعم النفسي الأولي
1. الاقتراب والتقييم (Approach)
الخطوة الأولى والأصعب هي المبادرة بالاقتراب وفتح حوار دون تسرع. ابدأ بعبارة بسيطة مثل: «هل أنت بخير؟ أشعر أن شيئاً ما يزعجك». الموقف مهم جداً؛ يجب أن تكون هادئاً ومطمئناً، وأن تعرض المساعدة دون فرضها. الأمر لا يتعلق بالكلمات بقدر ما يتعلق بحضورك الإنساني الهادئ.
يجب تقييم مدى خطورة الموقف: هل هناك خطر وشيك؟ هل هي أزمة انتحارية؟ إذا اعترف شخص بأنه يريد الموت، لا تقلل من شأن الأمر ولا تؤجل التصرف. ابق معه، واتصل بخطوط المساعدة المتخصصة أو خدمات الطوارئ، وأكد له: «لن أتركك وحدك».
نصيحة حاسمة: إذا كنت تشك في وجود أزمة انتحارية، اطرح السؤال مباشرة: «هل تفكر في الانتحار؟» الاعتقاد الشائع بأن طرح السؤال يشجع على الانتحار هو اعتقاد خاطئ تماماً. إن الغموض والصمت هما الخطر الحقيقي. طرح السؤال بلطف وتعاطف يحرر الشخص ويمكن أن يسمح لك بالتصرف بسرعة وإنقاذ حياة.
2. الاستماع دون إصدار أحكام (Listen)
في مثل هذه المواقف، نميل إلى محاولة المواساة أو تقديم الحلول بسرعة، أو ما هو أسوأ، التقليل من شأن المشكلة. يجب عليك الاستماع دون إصدار أحكام أو البحث عن حلول فورية. يجب أن يشعر الشخص بأنه مسموع حقاً، وأن صمته وتنهداته مهمة.
أسوأ ما يمكن أن تقوله هو: «ليس لديك سبب لتشعر بالسوء!» أو «عليك أن تتماسك». هذه العبارات تزيد من الشعور بالذنب بدلاً من الدعم. الأفضل أن تقول: «أنا أستمع إليك. ما تمر به مهم بالنسبة لي. أنا هنا».
في حالات الأزمات الذهانية، لا تجادل أبداً الهلوسات. إذا كان الشخص يسمع أصواتاً أو يرى أشياء، فهي حقيقية بالنسبة له. إنكار واقعه سيزيد من ضيقه.
3. الطمأنة وغرس الأمل (Comfort/Reassure)
بمجرد أن يتحدث الشخص، حان الوقت لتهدئته وإعادة الأمل إليه. أكد أن هذا الشعور بالضيق ليس قدراً محتوماً، وأن «التعافي ممكن». هناك مساعدات وعلاجات ومرافقون متخصصون.
حتى لو لم تكن تعرف كل التفاصيل، يمكن لكلمات بسيطة أن تحدث فرقاً: «أنت لست وحدك»، «ما تشعر به مشروع وله حلول»، أو «أرى أنك خائف، أريد أن أساعدك، سنتصل بشخص ما». الفكرة هي ألا تجعل الشخص يعتقد أنه لا يوجد شيء يمكن فعله.
4. التشجيع على طلب المساعدة المتخصصة (Encourage)
دور المسعف الأولي له حدود؛ فهو لا يحل محل أخصائي الصحة النفسية. يجب توجيه الشخص بلطف نحو الرعاية المتخصصة (الأطباء النفسيون، الأخصائيون النفسيون، مراكز الدعم). قد يكون من الأفضل اقتراح البدء بزيارة طبيب الأسرة، لأن كلمة «طبيب نفسي» لا تزال تثير الخوف لدى البعض.
ماذا لو رفض الشخص؟ تقول المدربة: «لا بأس. أنت تزرع بذرة. قد يعود إليها لاحقاً. المهم هو أن يعرف أنك موجود، وأنك ستطمئن عليه بانتظام».
5. توفير المعلومات والموارد (Inform)
يمكنك تسهيل الأمر على الشخص من خلال تزويده بالمعلومات اللازمة للحصول على أفضل متابعة ممكنة لحالته. هناك موارد موثوقة ومنظمات متخصصة تقدم الدعم اليومي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وتنظم مجموعات دعم للخروج من العزلة.
الخلاصة لمن يقدم الإسعافات الأولية: «نحن لسنا معالجين نفسيين ولا أبطالاً خارقين، بل مجرد بشر يعرفون كيف يمدون يد العون». في بعض الأحيان، أذن مصغية، أو عبارة لطيفة، أو مكالمة هاتفية في الوقت المناسب، تكون كافية ليتمكن الشخص من الوقوف على قدميه مرة أخرى.