
في كلمات قليلة
يستعرض المقال الأزمة المالية التي تواجهها فرنسا متمثلة في العجز الكبير في الميزانية والدين العام المتزايد. ويقارن وضعها مع خمس دول أوروبية أخرى (ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، اليونان، البرتغال) نجحت في تطبيق إصلاحات هيكلية قاسية أحيانًا لتحقيق الاستقرار المالي، مقدمًا دروسًا حول الشجاعة السياسية والبراغماتية الاقتصادية.
كم مرة سمعنا على مدى العقود الماضية سياسيًا فرنسيًا يقطع الوعود، ويلتزم بإعادة الحسابات إلى نصابها، ليقدم في النهاية للمفوضية الأوروبية أرقامًا مالية عامة لم يتم الالتزام بها أبدًا؟ مؤخرًا، كشف فرانسوا بايرو عن مقترحاته لتوفير 43.8 مليار يورو بهدف خفض العجز العام إلى 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026. لا يتعلق الأمر فقط بالصداع السياسي والمالي لمشروع قانون المالية للعام المقبل، بل بميزانيات السنوات التالية، على أمل النزول تحت عتبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2029.
تتضمن الخطة تجميد نفقات الدولة، والخدمات الاجتماعية وخاصة المعاشات التقاعدية، وزيادة الخصم الطبي، وإلغاء عطلتين رسميتين، وإصلاح التأمين ضد البطالة، وبيع بعض حصص الدولة. وإذا لم يتم اتخاذ أي إجراء، فستصل خدمة الدين في عام 2029 إلى 100 مليار يورو، لتصبح أكبر بند للإنفاق.
لقد عانى جيران فرنسا الأوروبيون أيضًا من الصدمات الخارجية مثل الأزمة المالية في 2008-2012 والوباء في 2020، لكن فرنسا اليوم من أسوأ التلاميذ في أوروبا حيث يبلغ عجزها العام (-5.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024) ما يقرب من ضعف متوسط الدول الأعضاء الـ27. وأكثر من نصف ديونها الآن في أيدي مستثمرين أجانب يطالبون بعلاوات مخاطر أعلى.
لتحقيق الاستقرار المالي، يمكن لفرنسا أن تنظر إلى جيرانها الذين قدموا دروسًا في الشجاعة والثبات السياسي.
ألمانيا: الصرامة كاستجابة لأزمة 2008
في ألمانيا، تُعد العقيدة المالية ثابتًا في النقاش العام. بعد أزمة عام 2008، أقرت ألمانيا إصلاح "كبح الديون" الدستوري، وهو قاعدة ذهبية تحدد مستوى الدين الأقصى عند 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا. وقد ساهمت هذه القاعدة بشكل مباشر في خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
إيطاليا: انتعاش حقيقي ولكنه لا يزال هشًا
بعد أن كانت الحلقة الأضعف في منطقة اليورو، تمكنت إيطاليا من خفض عجزها العام إلى 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024. قامت حكومة جيورجيا ميلوني بإلغاء برامج دعم مكلفة مثل "المكافأة الفائقة" لتجديد المباني، مما أدى إلى خفض الإنفاق العام بنسبة 3.4% دون احتجاجات كبيرة.
إسبانيا: الاستقرار الاقتصادي رغم عدم الاستقرار السياسي
على الرغم من عدم وجود أغلبية برلمانية واضحة، تحسن الوضع الاقتصادي في إسبانيا. ففي العام الماضي، خفضت مدريد عجزها العام إلى 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي. يعود الفضل في ذلك إلى النمو الاقتصادي القوي الذي يفوق متوسط منطقة اليورو، وإصلاح سوق العمل، والاستثمار في التحول الأخضر.
اليونان: وصفة مرة بنتائج مذهلة
في ذروة الأزمة عام 2009، تجاوز العجز اليوناني 15% من الناتج المحلي الإجمالي. وبمساعدة صندوق النقد الدولي والشركاء الأوروبيين، طبقت اليونان إجراءات تقشفية قاسية: رفع سن التقاعد، تجميد المعاشات، خفض الرواتب، وزيادة ضريبة القيمة المضافة. وكانت النتائج مذهلة، حيث حققت اليونان فائضًا في الميزانية بنسبة 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024.
البرتغال: تقشف صارم رغم التناوب السياسي
في عام 2011، طلبت البرتغال مساعدة دولية بقيمة 78 مليار يورو. تضمنت الشروط خفض الإنفاق العام بنسبة 20% تقريبًا، وتخفيضات في قطاعي الصحة والتعليم، وخصخصة شركات الاتصالات. على الرغم من قسوة الإجراءات، نجحت البرتغال في تحقيق الاستقرار المالي، وأصبح رصيدها الأولي (باستثناء فوائد الدين) يفوق المستوى المطلوب لتحقيق استقرار الدين.