فرنسا في مواجهة جبل الديون: خطة الحكومة التقشفية تثير الشكوك والبدائل الصارمة من تجارب دولية

فرنسا في مواجهة جبل الديون: خطة الحكومة التقشفية تثير الشكوك والبدائل الصارمة من تجارب دولية

في كلمات قليلة

تقدم الحكومة الفرنسية خطة تهدف إلى استقرار الدين العام، لكنها تواجه انتقادات لكونها غير طموحة بما فيه الكفاية. يرى المحللون أن التخفيض المقترح في الإنفاق بنسبة 2.6% لن يوقف نمو الدين. يستعرض المقال نماذج إصلاح أكثر جذرية ونجاحًا من السويد وكندا والبرتغال.


تم تقديم الخطط الاقتصادية الأخيرة في فرنسا على أنها بداية لميزانية تقشفية، لكن الأرقام تكشف عن واقع مختلف. الهدف المعلن ليس تحقيق توازن في الحسابات، بل خفض العجز إلى 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026، وتثبيت الدين العام عند حوالي 117% من الناتج المحلي الإجمالي، بدلاً من تخفيضه فعلياً.

تخطط الحكومة لتحقيق وفورات بقيمة 44 مليار يورو من إجمالي النفقات العامة السنوية البالغة 1,670 مليار يورو، وهو ما يعادل تخفيضاً بنسبة 2.6% فقط. لتوضيح ذلك، يشبه الأمر قيام أسرة مثقلة بالديون بالإعلان عن "شد الحزام" عن طريق خفض نفقاتها من 1000 يورو إلى 974 يورو فقط. والأسوأ من ذلك، أنه من المتوقع أن تزداد النفقات العامة بمقدار 29 مليار يورو بين عامي 2025 و 2026، مما يجعل الحديث عن التقشف غير واقعي.

بمقارنة بسيطة مع الدول التي واجهت تهديدات مماثلة بالإفلاس المالي، يتضح أن فرنسا بعيدة كل البعد عن اتخاذ الإجراءات الضرورية. لقد أشارت الحكومة إلى دول "محترمة" واجهت مواقف مشابهة في التسعينيات (السويد، كندا) والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين (البرتغال، إسبانيا، إيطاليا)، لكنها لم تستخلص الدروس الكاملة من تجاربها، وهو أمر مؤسف بالنظر إلى نتائجها المذهلة.

لقد نجحت السويد في خفض دينها العام إلى النصف خلال عشر سنوات (من 80% إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي)، وخفضته كندا من 65% إلى 30%. في المقابل، لم تتمكن الحكومات الفرنسية المتعاقبة من إقرار ميزانية متوازنة واحدة منذ ما يقرب من نصف قرن.

لو استلهمت فرنسا من التجربة السويدية، لكان بإمكانها الإعلان عن إجراءات هيكلية لتحسين كفاءة الخدمات العامة مع خفض تكاليفها. على سبيل المثال، فتح بعض الخدمات للمنافسة مثل دور رعاية المسنين أو المدارس، وإعادة تحديد نطاق عمل الدولة عبر تفويض إدارة المستشفيات العامة للسلطات المحلية، وتقديم "شيك تعليمي" لمنح الآباء حرية الاختيار بين القطاعين العام والخاص. كما كان من الممكن تحديد هدف واضح لخفض كتلة الأجور في الوظيفة العامة بنسبة 4%، أي ما يعادل 150 ألف وظيفة، وهو هدف أكثر طموحًا بكثير من إلغاء 3000 وظيفة الذي أعلنت عنه الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، كان من الممكن معالجة نظام التقاعد، وهو البند الأكبر في النفقات، من خلال إصلاح شامل يجمع بين النقاط (86%) والرسملة (14%).

أما بالاستفادة من التجربة الكندية، كان من الممكن تبني نهج يجمع بين التخفيض الرأسي والأفقي لنطاق عمل الدولة، من خلال مراجعة كل بند من بنود الإنفاق وطرح الأسئلة الأساسية: هل يخدم هذا الإنفاق المصلحة العامة؟ هل من الضروري أن تتولى الدولة مسؤوليته؟ كيف يمكن تحسين كفاءته؟ وبدلاً من فرض ضريبة جديدة، كان من الممكن إعلان أن "تخفيضات الإنفاق العام اليوم تمول تخفيضات الضرائب غدًا، مما سيعيدنا إلى طريق الازدهار". وكان سيتبع ذلك خفض فوري للضرائب على الشركات لتوضيح ما يسميه الاقتصاديون "منحنى لافر"، حيث يؤدي انخفاض العبء الضريبي إلى زيادة الإيرادات الضريبية بفضل تحفيز النمو وتقليل التهرب الضريبي.

أخيراً، لو استلهمت فرنسا من النموذج البرتغالي، لما طلبت تضحيات من دافعي الضرائب، بل من الإدارة العامة نفسها. كان من الممكن الإعلان عن خفض رواتب الموظفين الحكوميين بنسبة 5%، وتقليص أعدادهم بنسبة 10%، وزيادة ساعات العمل الأسبوعية من 35 إلى 40 ساعة دون زيادة في الأجور.

الدروس المستفادة من هذه الدول التي كانت على شفا الإفلاس عديدة. أولاً، لا يوجد حتمية للفشل، والإرادة السياسية يمكن أن تؤتي ثمارها إذا كانت الحلول صحيحة. ثانياً، يجب أن تكون الدولة قدوة وتبدأ بنفسها في بذل الجهود قبل أن تطلب ذلك من المواطنين. لمواجهة الإفلاس الوشيك، لا يكفي إعادة طلاء السفينة لمنعها من الغرق، بل يجب سد الثقوب.

نبذة عن المؤلف

يوري - صحفي متخصص في قضايا الأمن والدفاع في فرنسا. تتميز مواده بالتحليل العميق للوضع العسكري والسياسي والقرارات الاستراتيجية.